ان اشتقاق ال {ع ب د}يُجَدِّر معني أطاع والطاعة وتض...ما هو معني عبادة الله وما علاقتها بالشراك بالله؟
ما هو معني عبادة الله تفصيلا وما علاقته بالشرك بالله؟؟؟
المعني الحقيقي للشرك هو كما حدده نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام: أن تجعل لله ندا وهو خلقك {ولا فرق فكله اشراك بالله ما توافر العلم وانعدم الجهل والاضطرار والاكراه{المقصود هو تعمد اتيان المعاصي دون عذر من علم او ضرورة أو إكراه او عقل راشد بلغ صاحبة الحُلُم وهذا لا يعلمه الا الله الباري أما المسلمون فتعاملاتهم مع بعضهم فيما يظهر من النوايا علي السلوك الظاهري ولا يتدخلون في علم السرائر لأنه من خصائص ذات الله العلية جل وعلا.. وعليه فلا يصلح تمريره الي الاحكام الظاهرية بيد ان من وافته منيته علي الانغماس والاصرار علي معصيته فقد خسر الدنيا والاخرة عياذا بالله وهو معني الاية بلي من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار خلدين فيها أبدا } عياذا بالله الواحد}
قلت المدون المعني الحقيقي للشرك هو كما حدده نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام: أن تجعل لله ندا وهو خلقك وكل ما عدا هذا التعريف مزايدة من المتكلمين والفقهاء وحديثي اللغويين علي المعني الأصلي للشرك المحدد في تعريف النبوة في الحديث الصحيح كما في حديث ابن مسعود التالي الذي أخرجه البخاري وسائر كتب السنة:
1 - رَسولَ اللهِ، أيُّ الذَّنبِ أعظَمُ؟ قال: ((أن تجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خَلَقَك)) [13] أخرجه. قلت المدون والندية تكون في الخفي والظاهر وفي الصغير والكبير وفي العظيم والحقير ولا فرق فكله اشراك بالله ما توافر العلم وانعدم الجهل والاضطرار والاكراه
2 - اللَّهِ؟
قال :((أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ)) [845] أخرجه البخاري (7520.
3 - : ((أن تجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَك)) [363] أخرجه
البخاري (4477) ومسلم (86). . قال أبو عَمرٍو.
4 - أنَّه قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ الذَّنبِ
أعظَمُ؟ قال: ((أن تجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خَلَقَك.
5 - اللهِ بنِ مَسعودٍ قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ،
أيُّ الذَّنبِ أعظَمُ؟ قال: ((أن تجعَلَ للهِ نِدًّا.
6 - عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ قال: قلتُ: يا رَسولَ
اللهِ، أيُّ الذَّنبِ أعظَمُ؟ قال: ((أن تجعَلَ لله ندًّا.
7 - اللهِ بنِ مسعودٍ قال: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ
الذَّنبِ أعظَمُ؟ قال: ((أن تجعَلَ للهِ نِدًّا.
ولا تكابر فالشرك أعظم الكبائر والذنوب =
1 - بنُ عبدِ اللهِ آل الشَّيخِ: (الشِّرْكُ أعظَمُ
الذُّنوبِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أخبَرَ أنَّه لا يَغفِرُه.{{ الفَصلُ الخامِسُ:
قُبحُ الشِّرْكِ وخَطَرُه
يظهَرُ قُبحُ الشِّرْكِ في أنَّه تنقُّصٌ للهِ رَبِّ
العالَمينَ بمساواةِ غيرِه له، وذلك في غايةِ الضَّلالِ.
قال اللهُ تعالى عن المشرِكينَ يومَ القيامةِ عند
خُصومتِهم مع مَعبوديهم: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ
نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 97-98] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقول الغاوون للَّذين يَعبُدونَهم مِن
دونِ اللهِ: تاللهِ إنْ كُنَّا لفي ذَهابٍ عن الحَقِّ حين نَعدِلُكم برَبِّ
العالَمينَ، فنَعبُدُكم من دونِه)
.
وقال القرطبيُّ: (معنى قَولِه: إِذْ نُسَوِّيكُمْ
بِرَبِّ الْعَالَمِينَ أي: في العبادةِ)
.
وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو
مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ
عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: 5] .
قال ابنُ كثيرٍ: (أي: لا أضَلَّ ممَّن يدعو أصنامًا،
ويطلُبُ منها ما لا تستطيعُه إلى يومِ القيامةِ، وهي غافِلةٌ عمَّا يقولُ، لا
تَسمَعُ ولا تُبصِرُ ولا تبطِشُ؛ لأنَّها جماٌد حِجارةٌ صُمٌّ) .
وهذا التنقُّصُ لله سُبحانَه أعظَمُ الظُّلمِ؛ قال اللهُ
تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] .
قال السَّمعاني: (قَولُه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ الظُّلمُ هو وَضْعُ الشَّيءِ في غيرِ موضِعِه، من أشرَكَ مع اللهِ غَيرَه فقد
وضَعَ الشَّيءَ في غيرِ مَوضِعِه)
.
وقال ابنُ كثيرٍ: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ أي:
هو أعظَمُ الظُّلمِ) .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (أظلَمُ الظُّلمِ على الإطلاقِ
الشِّركُ، وأعدَلُ العَدلِ التَّوحيدُ)
.
وقال السعديُّ: (وَجهُ كَونِه عظيمًا: أنَّه لا أفظَعَ
وأبشَعَ مِمَّن سَوَّى المخلوقَ مِن ترابٍ بمالِكِ الرِّقابِ! وسَوَّى الذي لا
يملِكُ من الأمرِ شيئًا بمن له الأمرُ كُلُّه، وسَوَّى النَّاقِصَ الفقيرَ مِن
جميعِ الوُجوهِ بالرَّبِّ الكامِلِ الغَنيِّ مِن جميعِ الوُجوهِ، وسَوَّى من لم يُنعِمْ
بمِثقالِ ذَرَّةٍ مِنَ النِّعَمِ بالذي ما بالخَلْقِ مِن نِعمةٍ في دِينِهم
ودُنْياهم وأُخْراهم وقُلوبِهم وأبدانِهم، إلا منه، ولا يَصرِفُ السُّوءَ إلَّا
هو، فهل أعظَمُ مِن هذا الظُّلمِ شيءٌ؟!
وهل أعظَمُ ظُلمًا ممَّن خَلَقه اللهُ لعبادتِه
وتوحيدِه، فذَهَب بنَفْسِه الشَّريفةِ، فجَعَلَها في أخَسِّ المراتِبِ؛ جَعَلها
عابدةً لِمن لا يَسوى شيئًا، فظَلَم نَفْسَه ظُلمًا كبيرًا) .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه
قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بظُلْمٍ،
قُلْنَا: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قالَ: ((ليسَ كما
تَقُولونَ؛ لَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بظُلْمٍ: بشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا
إلى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: يا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ باللَّهِ إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ
مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ
[يونس: 106] .
قال ابنُ جريرٍ: (فإن فعَلْتَ ذلك فدعَوتَها من دونِ
اللهِ فإنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ يقولُ: مِن المشرِكينَ باللهِ، الظَّالِمي
أنفُسِهم) .
وقال ابنُ عاشور: (المقصودُ من هذا الفَرْضِ تنبيهُ
النَّاسِ على فَظاعةِ عِظَمِ هذا الفِعلِ، حتى لو فعَلَه أشرَفُ المخلوقينَ لكان
من الظَّالمينَ، على حَدِّ قَولِه تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) .
فإنَّ الذي يَستحِقُّ أن يُعبَدُ هو الذي بيَدِه الخَلقُ
والأمرُ، والمتفَضِّلُ بالنِّعَمِ، فصَرْفُ شيءٍ مِن حَقِّ اللهِ تعالى من
العبوديَّةِ إلى غَيرِه ظُلمٌ عظيمٌ.
قال ابنُ القَيِّمِ: (أخبَرَ سُبحانَه أنَّ
القَصدَ بالخَلْقِ والأمرِ أن يُعرَفَ بأسمائِه وصِفاتِه، ويُعبَدَ وَحْدَه لا
يُشرَكُ به، وأن يقومَ النَّاسُ بالقِسطِ، وهو العَدْلُ الذي قامت به السَّمَواتُ
والأرضُ، كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ
وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: 25] ،
فأخبَرَ أنَّه أرسَلَ رُسُلَه، وأنزَلَ كُتُبَه؛ ليقومَ النَّاسُ بالقِسطِ، وهو
العَدلُ. ومن أعظَمِ القِسطِ: التَّوحيدُ، بل هو رأسُ العَدلِ وقِوامُه، وإنَّ
الشِّرْكَ لظُلمٌ عظيمٌ؛ فالشِّرْكُ أظلَمُ الظُّلمِ، والتَّوحيدُ أعدَلُ العَدلِ) .
كما أنَّ في الشِّرْكِ إساءةَ الظَّنِّ برَبِّ
العالَمينَ، فمن يتَّخِذُ وسيطًا يقَرِّبُه إلى اللهِ بزَعْمِه، فيَستغيثُ به
ويتوسَّلُ إليه لقَضاءِ حاجاتِه وكَشْفِ كُرُباتِه، يكونُ قد أساء الظَّنَّ
بإفضالِ رَبِّه وإنعامِه وإحسانِه إليه. وهذا المعنى راجِعٌ إلى الأوَّلِ؛ حيثُ
إنَّ من يعتَقِدُ أنَّ اللهَ لا يستجيبُ له إلا بواسِطةٍ يكونُ قد وصف اللهُ
بالنَّقصِ.
قال اللهُ تعالى عن إبراهيمَ عليه السَّلامُ: إِذْ قَالَ
لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ
تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 85-87] .
فقَولُه: فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ حُكِي
فيه معنيانِ :
الأوَّلُ: ما ظَنُّكم برَبِّكم إذا لقيتُموه وقد عبدْتُم
غيرَه؟ وهذا تحذيرٌ وترهيبٌ.
والثَّاني: أيُّ شيءٍ تظُنُّون برَبِّ العالَمينَ مِنَ
النَّقصِ حتَّى عبَدْتُم معه غيرَه؟
فعلى المعنى الثَّاني يتبيَّنُ أنَّ من أسبابِ الشِّرْكِ
إساءةَ الظَّنِّ برَبِّ العالمينَ.
قال ابنُ القَيِّمِ: (من ظَنَّ أنَّ له ولدًا أو
شَريكًا، أو أنَّ أحدًا يشفَعُ عنده بدونِ إذنِه، أو أنَّ بَيْنَه وبين خَلْقِه
وسائِطَ يَرفَعونَ حوائِجَهم إليه، أو أنَّه نَصَب لعبادِه أولياءَ مِن دونِه
يتقَرَّبون بهم إليه، ويتوسَّلون بهم إليه، ويجعَلونَهم وساِئَط بيْنهم وبيْنه، فيَدْعُونَهم
ويحِبُّونَهم كحُبِّه، ويخافونَهم ويَرجونَهم- فقَد ظَنَّ به أقبَحَ الظَّنِّ
وأسوَأَه!) .
وقال ابنُ القَيِّمِ أيضًا: (فالشِّرْكُ والتعطيلُ
مبنيَّانِ على سوءِ الظَّنِّ باللهِ؛ ولهذا قال إمامُ الحُنَفاءِ عليه السَّلامُ
لخُصَمائِه من المُشرِكين: أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا
ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 86، 87] وإن كان المعنى: ما ظَنُّكم به أن
يعامِلَكم ويجازيَكم به، وقد عبَدْتُم معه غيَره، وجعَلْتُم له نِدًّا؟ فأنت تجِدُ
تحتَ هذا التهديدِ: ما ظَنَنْتُم برَبِّكم من السُّوءِ حتى عَبَدْتُم معه غيرَه؟!
فإنَّ المشرِكَ إمَّا أن يَظُنَّ أنَّ اللهَ سُبحانَه
يحتاجُ إلى من يُدبِّرُ أمرَ العالَمِ معه من وزيرٍ أو ظَهيرٍ أو عونٍ، وهذا
أعظَمُ التنقيصِ لِمن هو غنيٌّ عن كُلِّ ما سِواه بذاتِه، وكلُّ ما سِواه فقيرٌ
إليه بذاتِه، وإمَّا أن يظُنَّ أنَّه سُبحانَه إنَّما تَتِمُّ قُدرتُه بقُدرةِ الشَّريكِ،
وإمَّا أن يَظُنَّ بأنَّه لا يعلَمُ حتى يُعْلِمَه الواسِطةُ، أو لا يَرحَمُ حتى
تجعَلَه الواسِطةُ يرحَمُ، أو لا يكفي وَحْدَه، أو لا يفعَلُ ما يُريدُ بالعَبدِ
حتى يشفَعَ عنده الواسِطةُ، كما يَشفَعُ المخلوقُ عند المخلوقِ، فيحتاجُ أن
يَقبَلَ شَفاعتَه لحاجتِه إلى الشَّافِعِ وانتفاعِه به، وتكثُّرِه به من القِلَّة،
وتعزُّزِه به من الذِّلَّةِ، أو لا يجيبُ دُعاءَ عِبادِه حتى يسألوا الواسِطةَ أن
تَرفَعَ تلك الحاجاتِ إليه، كما هو حالُ مُلوكِ الدُّنيا، وهذا أصلُ شِركِ الخَلْقِ،
أو يَظُنَّ أنَّه لا يَسمَعُ دُعاءَهم لبُعْدِه عنهم حتى ترفَعَ الوسائِطُ إليه
ذلك، أو يَظُنَّ أنَّ للمخلوقِ عليه حقًّا؛ فهو يُقْسِمُ عليه بحَقِّ ذلك المخلوقِ
عليه، ويتوسَّلُ إليه بذلك المخلوقِ، كما يتوسَّلُ النَّاسُ إلى الأكابِرِ
والملوكِ بمن يَعِزُّ عليهم ولا يمكِنُهم مخالفتُه.
وكُلُّ هذا تنقُّصٌ للرُبوبيَّةِ، وهَضْمٌ لحَقِّها، ولو
لم يكُنْ فيه إلَّا نَقْصُ محبَّةِ اللهِ وخَوفِه ورَجائِه والتوكُّلِ عليه والإنابةِ
إليه مِن قَلبِ المشرِكِ؛ بسبَبِ قِسمةِ ذلك بينه سُبحانَه وبين من أشرَكَ به،
فيَنقُصُ ويَضعُفُ أو يَضمَحِلُّ ذلك التَّعظيمُ والمحبَّةُ والخوفُ والرَّجاءُ؛
بسَبَبِ صَرفِ أكثَرِه أو بَعْضِه إلى من عَبَده من دونِه.
فالشِّرْكُ ملزومٌ لتنقُّصِ الرَّبِّ سُبحانَه،
والتنقُّصُ لازمٌ له ضرورةً، شاء المشرِكُ أم أبى، ولهذا اقتَضى حمدُه سُبحانَه
وكمالُ رُبوبيَّتِه ألَّا يَغفِرَه، وأن يُخلِّدَ صاحبَه في العذابِ الأليمِ، ويجعَلَه
أشقى البَرِيَّةِ، فلا تجِدُ مُشرِكًا قَطُّ إلَّا وهو متنَقِّصٌ لله سُبحانَه،
وإنْ زَعَم أنَّه يُعظِّمُه بذلك)
.
ومن قُبحِ الشِّرْكِ أنَّ اللهَ تعالى وَصَفَ أهْلَه
بالنَّجَسِ.
قال اللهُ سُبحانَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ
عَامِهِمْ هَذَا [التوبة: 28].
قال ابنُ الجوزي: (في المرادِ بكَونِهم نَجَسًا ثلاثةُ أقوالٍ:
أحَدُها: أنَّهم أنجاسُ الأبدانِ، كالكَلْبِ والخِنْزيرِ... والثَّاني: أنَّهم كالأنجاِس
لتَرْكِهم ما يجِبُ عليهم من غُسلِ الجَنابةِ، وإن لم تكُنْ أبدانُهم أنجاسًا...
والثَّالِثُ: أنَّه لَمَّا كان علينا اجتنابُهم كما تُجتَنَبُ الأنجاسُ، صاروا
بحُكمِ الاجتنابِ كالأنجاسِ، وهذا قَولُ الأكثَرِينَ) .
ومِن قُبحِ الشِّرْكِ أنَّ المشرِكَ لا تَحِلُّ
مُناكَحَتُه.
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ
حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ
أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ
مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ
آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة: 221] .
قال البَغَوي: (قَولُه تعالى: وَلَا تُنْكِحُوا
الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا هذا إجماعٌ: لا يجوزُ للمُسلِمةِ أن تَنكِحَ
المُشرِكَ) .
وقال البركوي الحنفي: (إنَّ الشِّركَ لَمَّا كان أظلَمَ
الظُّلمِ وأقبَحَ القبائحِ وأنكَرَ المُنكَرِ، كان أبغَضَ الأشياءِ إلى اللهِ
تعالى وأكرَهَها له؛ ولذلك رَتَّب عليه من عُقوباتِ الدُّنيا والآخِرةِ ما لم يرَتِّبْه
على ذنبٍ آخَرَ سِواه، وأخبر أنَّه لا يَغفِرُه، وأنَّ أهلَه نَجَسٌ، ومنعهم
قِربانَ حَرَمِه، وحَرَّم ذبائِحَهم ومناكَحتَهم، وقَطَع الموالاةَ بينهم وبين
المؤمِنين، وجعَلَهم أعداءً له ولملائِكَتِه ورُسُلِه وللمؤمِنين، وأباح لأهلِ
التوحيدِ أموالَهم ونِساءَهم وأن يتَّخِذوهم عَبيدًا، وهذا لأنَّ الشِّركَ هَضمٌ
لحَقِّ الرُّبوبيَّةِ، وتنقيصٌ لعَظَمةِ الإلهيَّةِ، وسوءُ ظَنٍّ برَبِّ العالَمين) .
وأمَّا خَطَرُ الشِّرْكِ فيتمَثَّلُ فيما يلي:
1- إحباطُه للأعمالِ.
قال اللهُ تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]
.
قال أبو السُّعودِ: (كلامٌ واردٌ على طريقةِ الفَرْضِ؛
لتهييجِ الرُّسُلِ، وإقناطِ الكَفَرةِ، والإيذانِ بغايةِ شَناعةِ الإشراكِ
وقُبْحِه، وكونِه بحيثُ يُنهى عنه من لا يَكادُ يمكِنُ أن يباشِرَه، فكيف بمن
عَداه؟!) .
وقال السعديُّ: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ هذا مُفرَدٌ مُضافٌ يَعُمُّ كُلَّ عَمَلٍ؛ ففي نبُوَّةِ جميعِ الأنبياءِ
أنَّ الشِّرْكَ مُحبِطٌ لجميعِ الأعمالِ، كما قال تعالى في سورةِ الأنعامِ لَمَّا
عدَّد كثيرًا مِن أنبيائِه ورُسُلِه؛ قال عنهم: ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88] . وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ دِينَك وآخِرَتَك؛
فبالشِّرْكِ تَحبَطُ الأعمالُ، ويَستَحِقُّ العِقابُ والنَّكالُ) .
2- أنَّ صاحِبَه إن مات عليه لا يُغفَرُ له.
قال اللهُ سُبحانَه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [النساء: 4] .
قال ابنُ أبي الخيرِ: (معنى الآيةِ: أنَّ اللهَ لا
يَغفِرُ لِمن يُشرِكُ به فيموتُ على الشِّرْكِ، ويغفِرُ ما دون الشِّرْكِ لِمن
يشاءُ مِن أهلِ التَّوحيدِ) .
وقال ابنُ كثيرٍ: (أخبَرَ تعالى: أنَّه لَا يَغْفِرُ
أَنْ يُشْرِكَ بِهِ أي: لا يَغفِرُ لعَبدٍ لقِيَه وهو مُشرِكٌ به) .
وقال سليمانُ بنُ عبدِ اللهِ آل الشَّيخِ: (الشِّرْكُ
أعظَمُ الذُّنوبِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أخبَرَ أنَّه لا يَغفِرُه، أي: إلَّا
بالتوبةِ منه، وما عداه فهو داخِلٌ تحت مشيئةِ اللهِ؛ إن شاء غَفَرَه بلا توبةٍ،
وإن شاء عَذَّب به. وهذا يوجِبُ للعَبدِ شِدَّةَ الخَوفِ مِن هذا الذَّنبِ الذي
هذا شأنُه عند اللهِ) .
وقال السعديُّ: (هذه الآيةُ الكريمةُ في حَقِّ غيرِ
التائِبِ، وأمَّا التَّائِبُ فإنَّه يُغفَرُ له الشِّرْكُ فما دونَه) .
3- أنَّ من مات على الشِّرْكِ مُخلَّدٌ في نارِ جَهنَّمَ.
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة: 72] .
قال السعديُّ: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ أحدًا
من المخلوقينَ، لا عيسى ولا غيرَه، فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
وَمَأْوَاهُ النَّارُ؛ وذلك لأنَّه سَوَّى الخَلْقَ بالخالقِ، وصَرَف ما خلقَهَ
اللهُ له -وهو العبادةُ الخالِصةُ- لغيرِ مَن هي له؛ فاستحَقَّ أن يُخَلَّدَ في
النَّارِ) .
وقال اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا
أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة: 6] .
وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قَالَ: أَتَى النَّبِىَّ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُوجِبَتَانِ؟
فَقَالَ: ((مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ
مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ )) .
وممَّا يدُلُّ على خُطورةِ الشِّرْكِ:
1- خَفاءُ بَعضِ صُوَرِه ووُقوعُ بَعضِ أهلِ الفَضلِ
والعِلمِ فيه.
عن أبي واقِدٍ اللَّيثيِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ
اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا خرج إلى حُنَينٍ مَرَّ بشَجَرةٍ للمشركينَ
يقال لها: ذاتُ أنواطٍ، يُعَلِّقونَ عليها أسلِحَتَهم، فقالوا: يا رَسولَ اللهِ، اجعَلْ
لنا ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواطٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((سُبحانَ اللهِ! هذا كما قال قومُ موسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ
آلِهَةٌ [الأعراف: 138] ، والذي نفسي بيَدِه لتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَن كان
قَبْلَكم) .
قال محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ: (هذه القِصَّةُ تفيدُ
أنَّ المسلِمَ بل العالِمَ قد يَقَعُ في أنواعٍ من الشِّرْكِ لا يدري عنها،
فتُفيدُ التعَلُّمَ والتحَرُّزَ، ومَعرفةَ أنَّ قَولَ الجاهِلِ: التَّوحيدُ
فَهِمْناه؛ أنَّ هذا من أكبَرِ الجَهلِ، ومكائِدِ الشَّيطانِ) .
2- مِمَّا يدُلُّ على خُطورةِ الشِّرْكِ استِعاذةُ
إبراهيمَ ومُحمَّدٍ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ منه
فقد كان من دُعاءِ إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ
والسَّلامُ: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم: 35] .
قال إبراهيمُ التَّيميُّ: (مَن يأمَنُ البَلاءَ بعدَ
قَولِ إبراهيمَ: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ؟!) .
وقال السعديُّ: (قال: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ
نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ أي: اجعَلْني وإيَّاهم جانبًا بعيدًا عن عبادتِها والإلمامِ بها،
ثمَّ ذكَرَ الموجِبَ لخَوفِه عليه وعلى بنيه بكثرةِ مَن افتُتِنَ وابتُلِيَ
بعبادتِها فقال: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ أي: ضَلُّوا بسَبَبِها) .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال أبو بكرٍ:
يا رَسولَ اللهِ، مُرْني بشَيءٍ أقولُه إذا أصبَحْتُ وإذا أمسيتُ، قال: ((قُلِ:
اللَّهُمَّ عالِمَ الغَيبِ والشَّهادةِ، فاطِرَ السَّمَواتِ والأرضِ، رَبَّ كُلِّ
شَيءٍ ومَلِيكَه، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا أنت، أعوذُ بك مِن شَرِّ نَفْسي، ومِن
شَرِّ الشَّيطانِ وشِرْكِه ))، قال:
((قُلْه إذا أصبَحْتَ، وإذا أمسَيتَ، وإذا أخَذْتَ
مَضجَعَك )) .
قال الصَّنعانيُّ: ( ((ومِن شَرِّ الشَّيطانِ)) الذي
انتَصَب لإغواءِ كُلِّ إنسانٍ إلَّا عِبادَ اللهِ الذين ليس له عليهم سُلطانٌ.
((وشِرْكِه)) ما يدعو إليه ويُوسوِسُ به من الإشراكِ باللهِ تعالى، وهذا على
روايةِ كَسرِ الشِّينِ وسُكونِ الرَّاءِ، ويُروى بفَتْحِهما أي: حَبائِلِه
ومَصائِدِه، واحِدُها شَرَكةٌ)
وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم يدعو يقولُ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك من العَجْزِ والكَسَلِ،
والبُخلِ والهَرَمِ، والقَسوةِ والغَفلةِ، والذِّلَّةِ والمَسكَنةِ، وأعوذُ بك من
الفَقرِ والكُفرِ، والشِّرْكِ والنِّفاقِ، والسُّمعةِ والرِّياءِ )) . }}
2 - إذا كان أخوَفَ المخُوفاتِ كان أعظَمَها وأخطَرَها،
وتسميتُه شِركًا أصْغَرَ يدُلُّ على أنَّه في رتبةٍ تلي الشِّرْكَ.
3 - أم وليًّا، أم الكعبةَ أم غَيرَها، فقد ارتكَبَ
كبيرةً من كبائِرِ الذُّنوبِ، ووقَعَ في الشِّركِ. فإن.
4 - [النساء: 48]. قال المروزيُّ: (حَكَم بأنَّ الشِّركَ
غيرُ مغفورٍ للمُشرِكِ، يعني: إذا مات غيرَ تائبٍ.
5 - أو شَيءٍ منها لغيرِ اللهِ شِركٌ، وأمَّا لو طاف
بتلك القبورِ بقَصْدِ التقَرُّبِ إلى الله تعالى فهذا مُحَرَّم.
💥{{الطَّوافُ المرادُ بالطَّوافِ الذي
يكونُ شِرْكًا: الطَّوافُ بغيرِ الكَعبةِ مع قَصْدِ التقَرُّبِ لغيرِ اللهِ تعالى،
كالطَّوافِ بالقُبورِ والمشاهِدِ ونَحوِها، فالطَّوافُ عِبادةٌ؛ لقَولِه تعالى:
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ [الحج: 29] ، وصَرْفُ العبادةِ أو شَيءٍ منها لغيرِ
اللهِ شِركٌ، وأمَّا لو طاف بتلك القبورِ بقَصْدِ التقَرُّبِ إلى الله تعالى فهذا
مُحَرَّم، وبِدْعةٌ مُنكَرةٌ، ووسيلةٌ لعبادةِ تلك القُبورِ.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (أمَّا الرَّجُلُ الذي طلب من والدِه
الحَجَّ، فأمَرَه أن يطوفَ بنَفْسِ الأبِ، فقال: طُفْ ببَيتٍ ما فارقَه اللهُ
طَرْفةَ عَينٍ قَطُّ، فهذا كفرٌ بإجماعِ المُسلِمين، فإنَّ الطوافَ بالبَيتِ
العتيقِ ممَّا أمر اللهُ به ورسولُه، وأمَّا الطوافُ بالأنبياءِ والصَّالحين
فحرامٌ بإجماعِ المُسلِمين، ومن اعتقد ذلك دينًا فهو كافِرٌ، سواءٌ طاف ببَدَنِه
أو بقَبْرِه)
وقال أيضًا: (ليس في الأرضِ مكانٌ يُطافُ به كما يُطافُ
بالكَعبةِ، ومن اعتقد أنَّ الطَّوافَ بغيرِها مشروعٌ فهو شَرٌّ ممَّن يعتَقِدُ
جوازَ الصَّلاةِ إلى غيرِ الكعبةِ،… فمن اتخذ الصَّخرةَ اليومَ قِبلةً يصَلِّي
إليها، فهو كافِرٌ مُرتَدٌّ يُستتابُ، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ، مع أنَّها كانت
قبلةً لكِنْ نُسِخَ ذلك، فكيف بمن يتَّخِذُها مكانًا يُطافُ به كما يُطافُ بالكعبةِ؟
والطَّوافُ بغيرِ الكعبةِ لم يَشْرَعْه اللهُ بحالٍ) .
وقال ابنُ باز: (أخبَرَنا سُبحانَه في موضِعٍ مِن كتابه
أنَّه خَلَق الثَّقَلينِ لعبادتِه، فقال عَزَّ وجَلَّ: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، وهذه العبادةُ التي خَلَق اللهُ الثَّقَلين من
أجْلِها هي توحيدُه بأنواعِ العبادةِ؛ مِن الصَّلاةِ والصَّومِ، والزكاةِ والحَجِّ،
والسُّجودِ والطَّوافِ، والذَّبحِ والنَّذرِ، والخَوفِ والرَّجاءِ، والاستغاثةِ
والاستعانةِ والاستعاذةِ، وسائِرِ أنواعِ الدُّعاءِ) .
وقال ابنُ باز أيضًا: (لا يجوزُ الطَّوافُ بقُبورِ
الأولياءِ ولا غَيرِهم؛ لأنَّ الطَّوافَ يختَصُّ بالكعبةِ المشَرَّفةِ، ولا يجوزُ
الطَّوافُ بغيرِها، ومن طاف بالقُبورِ يتقَرُّبُ إلى أهلِها بذلك فقد أشرك، كما لو
صلَّى لهم أو استغاث بهم أو ذبح لهم؛ لقَولِ الله عَزَّ وجَلَّ: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ
لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162، 163]) .
وقال ابنُ عثيمين: (الطَّوافُ بالبَيتِ عِبادةٌ من أجلِّ
العباداتِ، وهو ركنٌ في الحَجِّ، والحَجُّ أحَدُ أركانِ الإسلامِ؛ ولهذا يجِدُ
الطَّائِفُ بالبيتِ -إذا كان المطافُ هادِئًا- من لذةِ الطَّوافِ وشُعورِ قَلْبِه
بالقُربِ مِن رَبِّه ما يتبيَّنُ به عُلُوَّ شأنِه وفَضْلَه، واللهُ المستعانُ) .
وإذا تقَرَّر حُكمُ هذه الأعمالِ، فيُمكِنُ إيجازُ
أوجُهِ كَونِ هذه الأعمالِ كُفرًا بما يلي:
1- أنَّ هذه الأعمالَ شِركٌ يناقِضُ توحيدَ العبادةِ،
فإذا كان الذَّبحُ والنَّذرُ، وكذا السُّجودُ والركوعُ والطَّوافُ، عِباداتٍ لا
يجوزُ صَرْفُها إلَّا للهِ تعالى وَحْدَه، فمن أثبت لغيرِ الله تعالى ما لا يكونُ إلَّا
للهِ، فهو كافِرٌ ؛ لأنَّ الشِّركَ الأكبَرَ هو صَرْفُ نَوعٍ أو فَردٍ مِن
العبادةِ لغيرِ اللهِ تعالى، والعبادةُ الشَّرعيَّةُ تتضَمَّنُ غايةَ الذُّلِّ لله
تعالى، مع غايةِ المَحبَّةِ له
.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فالإلهُ هو الذي يألَهُه القَلْبُ
بكَمالِ الحُبِّ والتعظيمِ، والإجلالِ والإكرامِ، والخَوْفِ والرَّجاءِ ونحوِ ذلك)
ومن المعلومِ أنَّ الذَّبحَ والنَّذرَ والسُّجودَ
والرُّكوعَ والطَّوافَ ونحوَها عباداتٌ تجمَعُ بين الخُضوعِ والخَوفِ والإجلالِ،
والرَّجاءِ والمَحبَّةِ والقُرْبِ، فإذا صُرِفَت هذه العباداتُ لله وَحْدَه، فهذا
إيمانٌ وتوحيدٌ، وإذا صُرِفَت لغيرِه، فهذا كُفرٌ وتنديدٌ، وقد غَلِط مُرجِئةُ
المتكَلِّمين ومن تَبِعَهم عندما زَعَموا أنَّ شِرْكَ التقَرُّب والنُّسُكِ ليس
شِركًا بإطلاقٍ، ما لم يتضَمَّنْ عِندَهم الشِّركَ في التَّوحيدِ العِلميِّ الخَبَريِّ؛
لأنَّهم حَصَروا التَّوحيدَ في الرُّبوبيَّةِ والأسماءِ والصِّفاتِ، ومِن ثَمَّ
فالشِّركُ عندهم هو الشِّركُ في هذا التَّوحيدِ .
2- أنَّ من قصد بتلك العباداتِ غيرَ الله تعالى،
وصَرَفَها لغيرِه سُبحانَه؛ فقد شَبَّه المخلوقَ الضَّعيفَ العاجِزَ بالخالِقِ
القَويِّ القادِرِ.
قال ابنُ القَيِّمِ: (ومن خصائِصِ الإلهيَّةِ:
العبوديَّةُ التي قامت على ساقَينِ لا قِوامَ لها بدُونِهما: غايةُ الحُبِّ، مع
غايةِ الذُّلِّ، هذا تمامُ العُبوديَّة، وتفاوُتُ منازِلِ الخَلْقِ فيها بحَسَبِ
تفاوُتِهم في هذينِ الأصلَينِ، فمن أعطى حُبَّه وذُلَّه وخُضوعَه لغيرِ اللهِ، فقد
شَبَّهه به في خالِصِ حَقِّه، وهذا من المُحالِ أن تجيءَ به شريعةٌ من الشَّرائِعِ،…
فمن خصائِصِ الإلهيَّةِ السُّجودُ، فمن سجد لغيرِه فقد شَبَّه المخلوقَ به، ومنها
التَّوكُلُ فمن توكَّل على غيرِه فقد شَبَّهه به، ومنها التَّوبةُ، فمن تاب لغيرِه
فقد شَبَّهه به) .
وقال أيضًا:
(ومن أسبابِ عِبادةِ الأصنامِ: الغُلُوُّ في المخلوقِ،
وإعطاؤُه فوقَ مَنزِلتِه، حتى جُعِلَ فيه حَظٌّ من الإلهيَّةِ، وشَبَّهوه بالله
سُبحانَه وتعالى، وهذا هو التشبيهُ الواقِعُ في الأُمَمِ، والذي أبطله اللهُ سُبحانَه،
وبَعَث رُسُلَه وأنزل كُتُبَه بإنكارِه والرَّدِّ على أهلِه... أهلُ الشِّركِ غَلَوا فيمن
يعَظِّمونه ويُحِبُّونه، حتى شَبَّهوه بالخالِقِ، وأعطَوه خصائِصَ الإلهيَّةِ، بل
صَرَّحوا أنَّه إلهٌ، وأنكروا جَعْلَ الآلهةِ إلهًا واحدًا، وقالوا: اصْبِرُوا
عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ [ص: 6]، وصَرَّحوا بأنَّه إلهٌ
معبودٌ يُرجى ويُخافُ، ويُعَظَّمُ ويُسجَدُ له، ويُحلَفُ باسمِه وتُقَرَّبُ له القرابينُ،
إلى غيرِ ذلك من خصائِصِ العبادةِ التي لا تنبغي إلَّا للهِ تعالى، فكُلُّ
مُشْرِكٍ فهو مُشَبِّهٌ إلهَه ومعبودَه باللهِ سُبحانَه، وإنْ لم يُشَبِّهْه به من
كُلِّ وَجهٍ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ أيضًا: (قَولُه سُبحانَه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [فصلت: 11] إنَّما قَصَد به نَفْيَ أن يكونَ معه شريكٌ، أو
معبودٌ يَستحِقُّ العبادةَ والتعظيمَ، كما يفعَلُه المشَبِّهون والمُشْرِكون ... وهذا التشبيهُ
الذي أبطله اللهُ سُبحانَه نفيًا ونهيًا هو أصلُ شِركِ العالَمِ، وعبادةِ الأصنامِ
... فإنَّ المشَبِّهةَ هم الذين يُشَبِّهون المخلوقَ بالخالِقِ في العبادةِ
والتعظيمِ والخُضوعِ، والحَلِفِ به والنَّذرِ له، والسُّجودِ له والعُكوفِ عند
بيتِه، وحَلْقِ الرَّأسِ له، والاستغاثةِ به) .
وممَّا قاله المقريزيُّ في شأنِ هذا التشبيهِ: (إنَّ المُشْرِكَ
شَبَّه المخلوقَ بالخالِقِ في خصائِصِ الإلهيَّةِ، وهي التفَرُّدُ بمِلْكِ
الضُّرِّ والنَّفعِ، والعَطاءِ والمنعِ، فمن عَلَّق ذلك بمخلوقٍ فقد شَبَّهه
بالخالِقِ تعالى. وسوَّى بين الترابِ وربِ الأربابِ، فأيُّ فُجورٍ وذَنبٍ أعظَمُ
من هذا؟! واعلَمْ أنَّ من خصائِصِ الإلِهيَّةِ الكَمالَ المُطلَقَ من جميعِ
الوُجوهِ الذي لا نَقْصَ فيه بوَجهٍ مِن الوُجوهِ، وذلك يُوجِبُ أن تكونَ العبادةُ
له وَحْدَه عَقلًا وشَرْعًا وفِطرةً، فمن جَعَل ذلك لغَيرِه فقد شَبَّه الغيرَ بمن
لا شَبيهَ له، ولشِدَّةِ قُبحِه وتضَمُّنِه غايةَ الظُّلمِ أخبَرَ مَن كَتَب على
نَفْسِه الرَّحمةَ أنَّه لا يَغفِرُه أبدًا، … ومن خصائِصِ الإلِهيَّةِ السُّجودُ،
فمن سَجَد لغيرِه فقد شَبَّهه به، ... ومنها الذَّبحُ له، فمن ذبح لغيرِه قد
شَبَّهه به، ومنها حَلْقُ الرَّأسِ، إلى غيرِ ذلك) .
وقال وليُّ اللهِ الدهلوي عن هذا التَّشبيهِ: (حقيقةُ
الشِّركِ أن يعتَقِدَ إنسانٌ في بعضِ المعَظَّمين من النَّاسِ أنَّ الآثارَ
العجيبةَ الصَّادرةَ منه إنَّما صدرت لكونِه مُتَّصِفًا بصفةٍ مِن صِفاتِ الكَمالِ
مِمَّا لم يُعهَدْ في جنسِ الإنسانِ، بل يختصُّ بالرَّبِّ جَلَّ مَجْدُه، لا
يوجَدُ في غَيرِه إلَّا أن يخلَعَ هو خِلعةَ الأُلوهيَّةِ على غيرِه، ...
فيتذَلَّلُ عنده أقصى التذَلُّلِ، ويتعامَلُ معه معامَلةَ العبادِ مع اللهِ تعالى) .
إضافةً إلى ذلك فإنَّ هذا التشبيهَ مِن أظلَمِ الظُّلمِ
وأشنَعِه.
قال إسماعيل الدهلوي: (قال اللهُ تعالى: وَإِذْ قَالَ
لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] وقد هَدَت لُقمانَ الحِكمةُ العميقةُ التي
أكرَمَه اللهُ وخَصَّه بها إلى أنَّ أفحَشَ الظُّلمِ أن يجودَ الإنسانُ على أحَدٍ
بحَقِّ غَيرِه؛ فمن أعطى حَقَّ اللهِ لأحَدِ خَلْقِه، فقد عمَد إلى حقِّ أكبرِ
كبيرٍ، فأعطاه أذَلَّ ذليلٍ، وكان كرَجُلٍ وَضَع تاجَ المَلِكِ على مَفرِقِ
إسكافٍ، وأيُّ جَورٍ أكبَرُ من هذا الجَورِ؟! وأيُّ ظُلمٍ أفحَشُ مِن هذا
الظُّلمِ؟!) .
3- أجمع العُلَماءُ على أنَّ من صَرَف عبادةً قلت المدون : في ظاهر الأمر-
لغيرِ اللهِ تعالى، فهو كافِرٌ. وهو بميتته عليها في السرائر كافر عند الله لإحاطة
خطيئته به دون أن يتوب منها قبل موته.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فمَن جَعَل الملائكةَ والأنبياءَ
وسائِطَ يدعوهم، ويتوكَّلُ عليهم، ويسألُهم جَلْبَ المنافِعِ، ودَفْعَ المضارِّ،
مِثلُ أن يسألَهم غُفرانَ الذُّنوبِ، وهدايةَ القُلوبِ، وتفريجَ الكُروبِ، وسَدَّ الفاقاتِ؛
فهو كافِرٌ بإجماعِ المُسلِمين)
.
قال سُلَيمانُ بنُ عبدِ اللهِ: (وهو إجماعٌ صَحيحٌ،
معلومٌ بالضَّرورةِ مِن الدِّينِ، وقد نَصَّ العُلَماءُ من أهلِ المذاهِبِ
الأربعةِ وغَيرِهم في بابِ حُكمِ المرتدِّ على أنَّ من أشرك بالله فهو كافِرٌ، أي:
عَبَد مع الله غيرَه بنوعٍ مِن أنواعِ العباداتِ)
كما أنَّ حُرمةَ مِثلِ هذا الشِّركِ من الأُمورِ المعلومةِ
مِنَ الدِّينِ بالضَّرورةِ.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فإنَّا بعد معرفـةِ ما جاء به
الرَّسولُ نَعلَمُ بالضَّرورةِ أنَّه لم يَشرَعْ لأمَّتِه أن تدعوَ أحدًا من
الأمواتِ؛ لا الأنبياءَ ولا الصَّالحينَ، … كما أنَّه لم يَشرَعْ لأمَّتِه
السُّجودَ لِمَيِّتٍ، ولا لغيرِ مَيِّتٍ، ونحو ذلك، بل نعلَمُ أنَّه نهى عن كُلِّ
هذه الأمورِ، وأنَّ ذلك من الشِّركِ الذي حَرَّمه اللهُ تعالى ورسولُه) .
وقال أيضًا: (كان من أتباعِ هؤلاء المُشْرِكين من يسجُدُ
للشَّمسِ والقَمَرِ والكواكِبِ، ويدعوها كما يدعو اللهَ تعالى، ويصومُ لها ويَنسُكُ
لها، ويتقَرَّبُ إليها، ثمَّ يقولُ: إنَّ هذا ليس بشِركٍ، وإنَّما الشِّركُ إذا اعتقَدْتُ
أنَّها هي المدَبِّرةُ لي، فإذا جعَلْتُها سبـبًا وواسطةً لم أكُنْ مُشْرِكًا! ومن
المعلومِ بالاضطـرارِ مِن دينِ الإسلامِ أنَّ هذا شِركٌ) .
4- مجموعةٌ من أقوالِ العُلَماءِ في هذه المسألةِ:
قال البربهاريُّ: (لا يخرُجُ أحدٌ من أهلِ القِبلةِ 💥 قلت المدون في الظاهر كالمنافقين لكن السرائر عند الله النفاق والاصرار
عليه شعبة من شعب الكفر}}💥 مِن الإسلامِ حتى يردَّ آيةً من كتابِ اللهِ، أو يردَّ شيئًا
من آثارِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو يذبَحُ لغيرِ اللهِ، أو يصَلِّي لغيرِ
الله، فإذا فعل شيئًا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرِجَه من الإسلامِ) .
وقال ابنُ عبد البَرِّ: (كان رسولُ الله صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم يحَذِّرُ أصحابَه وسائِرَ أمَّتِه من سوءِ صَنيعِ الأُمَمِ قَبْلَه،
الذين صَلَّوا إلى قبورِ أنبيائِهم، واتَّخَذوها قبلةً ومَسجِدًا، كما صنَعَتِ الوَثَنيَّةُ
بالأوثانِ التي كانوا يَسجُدون إليها ويُعَظِّمونها، وذلك الشِّركُ الأكبَرُ، فكان
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخبِرُهم بما في ذلك من سَخَطِ اللهِ وغَضَبِه،
وأنَّه ممَّا لا يرضاه؛ خشيةً عليهم امتثالَ طُرُقِهم) .
قال عبدُ الوهَّابِ ابنُ الحنبليِّ: (لا يَخرُجُ عن الإسلامِ
إلَّا من ردَّ على شيءٍ من الأوامِرِ والنَّواهي، وصَلَّى لغيرِ اللهِ، أو ذَبَح
لغيرِ اللهِ) .
وقال عِياضٌ: (كذلك نُكَفِّرُ بكُلِّ فِعلٍ أجمع
المُسلِمون أنَّه لا يَصدُرُ إلَّا من كافرٍ، وإن كان صاحِبُه مُصَرِّحًا
بالإسلامِ مع فِعْلِه ذلك الفِعْلَ؛ كالسُّجودِ للصَّنَمِ، وللشَّمسِ والقَمَرِ،
والصَّليبِ والنَّارِ) .
وقال الرافعيُّ: (اعلَمْ أنَّ الذَّبحَ للمَعبودِ
وباسمِه نازِلٌ منزلةَ السُّجودِ له، وكُلُّ واحدٍ منهما نوعٌ من أنواع التعظيمِ
والعبادةِ المخصوصةِ باللهِ تعالى الذي هو المستَحِقُّ للعبادةِ، فمن ذبح لغيرِه
من حيوانٍ أو جمادٍ كالصَّنَمِ، على وَجهِ التعظيمِ والعبادةِ؛ لم تَحِلَّ
ذبيحتُه، وكان ما يأتي به كُفرًا، كمن سجد لغيره سَجدةَ عبادةٍ، وكذا لو ذبح له
ولغَيرِه على هذا الوَجْهِ) .
وقال النَّوويُّ: (الأفعالُ الموجِبةُ للكُفرِ: هي التي
تَصدُرُ عن تعَمُّدٍ واستهزاءٍ بالدِّينِ صَريحٍ، كالسُّجودِ للصَّنَمِ، أو
الشَّمسِ ...) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ في مسألةِ السُّجودِ لغيرِ اللهِ ووسائِلِها:
(نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الصَّلاةِ عند طلوعِ الشَّمسِ وعند غروبِها،
وقال: ((إنَّها تَطلُعُ بين قَرْنَيِ شَيطانٍ، وحينئذٍ يَسجُدُ لها الكُفَّارُ)) ،
فنهى عن تحَرِّي الصَّلاةِ في هذا الوَقتِ؛ لِما فيه من مشابهةِ الكُفَّارِ في
الصُّورةِ، وإن كان المصَلِّي يقصِدُ السُّجودَ لله لا للشَّمسِ، لكِنْ نهى عن
المشابهةِ في الصُّورةِ؛ لئلَّا يُفضِيَ إلى المشاركةِ في القَصْدِ، فإذا قَصَد
الإنسانُ السُّجودَ للشَّمسِ وَقتَ طُلوعِ الشَّمسِ ووَقتَ غُروبِها، كان أحَقَّ
بالنَّهيِ والذَّمِّ والعقابِ؛ ولهذا يكونُ كافِرًا. كذلك من دعا غيرَ اللهِ،
وحَجَّ إلى غيرِ بَيتِ اللهِ، هو أيضًا مُشْرِكٌ، والذي فَعَله كُفرٌ) .
وقال أيضًا:
(أمَّا السُّجودُ لغيرِ اللهِ وعبادتِه فهو مُحَرَّمٌ في
الدِّينِ الذي اتَّفَقت عليه رُسُلُ اللهِ، كما قال سُبحانَه وتعالى: وَاسْأَلْ
مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ
آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف: 45]
) .
وقال: (لا يجوزُ أن يَنذِرَ أحدٌ إلَّا طاعةً، ولا يجوزُ
أن يَنذِرَها إلَّا للهِ، فمن نَذَر لغيرِ اللهِ فهو مُشْرِكٌ، كمن صام لغيرِ
اللهِ، وسجد لغيرِ الله، ومن حَجَّ إلى قبرٍ مِن القُبورِ فهو مُشْرِكٌ) .
وقال أيضًا: (وأمَّا النَّذرُ للمَوتى من الأنبياءِ
والمشائِخِ وغيرِهم، أو لقُبورِهم أو المقيمينَ عند قُبورِهم، فهو نَذْرُ شِرْكٍ
ومعصيةٍ لله تعالى، سواءٌ كان النَّذرُ نَفقةً أو ذهبًا أو غيرَ ذلك، وهو شَبيهٌ
بمن يَنذِرُ للكنائِسِ والرُّهبانِ وبُيوتِ الأصنامِ) .
وأكَّدَ ابنُ تيميَّةَ على إزالةِ مِثلِ تلك النُّذورِ،
فقال: (كُلُّ ما يُنذَرُ له، أو يُعَظَّمُ من الأحجارِ أو القُبورِ أو الأشجارِ،
ونحوِها: يجِبُ أن يزالَ؛ لأنَّه يحصُلُ للنَّاسِ به ضَرَرٌ عظيمٌ في دينِهم، كما
كَسَّر الخليلُ عليه السَّلامُ الأصنامَ، وكما حَرَّق موسى عليه السَّلامُ
العِجْلَ، وكما كَسَّر رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأصنامَ وحَرَّقها
لَمَّا فَتَح مكَّةَ ... ومن قال إنَّه يُشفى بمِثْلِ نَذْرِه لهذه الأشياءِ فهو
كاذِبٌ، بل يستتابُ، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ؛ فإنَّه مكَذِّبٌ للهِ ورَسولِه...)
وقال الأذرعي الشافعي: (أمَّا النُّذورُ للمَشاهدِ التي
بُنِيَت على قَبرِ وَلِيٍّ أو شيخٍ، أو على اسمِ مَن حَلَّها مِن الأولياءِ، أو
رُئِيَ في تلك البقعةِ مِن الأنبياءِ والصَّالحين... إنْ قَصَد بنَذْرِه -وهو
الغالِبُ أو الواقِعُ من قصودِ العاقِدِ- تعظيمَ البقعةِ والمشهَدِ والزَّاويةِ،
أو تعظيمَ مَن دُفِنَ بها ممَّن ذكَرْنا أو نُسِبَت إليه أو بُنِيَت على اسمِه؛
فهذا النَّذرُ باطِلٌ غيرُ مُنعَقِدٍ، فإنَّ مُعتَقَدَهم أنَّ لهذه الأماكِنِ
خصوصيَّاتٍ لأنفُسِها، ويَرَون أنَّها ممَّا يُدفَعُ به البلاءُ ويُستجلَبُ به
النَّعماءُ ويُستشفى بالنَّذرِ لها من الأدواءِ، حتى إنَّهم يَنذِرون لبعض
الأحجارِ لَمَّا قيل إنَّه جلس إليها أو استند إليها عبدٌ صالحٌ، ويَنذِرون لبعضِ
القُبورِ السُّرُجَ أو الشموعَ والزَّيتَ، ويقولون: القبرُ الفُلانيُّ أو المكانُ
الفلانيُّ يَقبَلُ النَّذرَ، يَعْنون بذلك أنَّه يحصُلُ بالنَّذرِ الغَرَضُ
المأمولُ؛ من شفاءِ مريضٍ، وقُدومِ غائبٍ، وسلامةِ مالٍ، وغيرِ ذلك من أنواعِ
نَذرِ المجازاةِ، فهذا النَّذرُ على هذا الوَجهِ باطِلٌ لا شَكَّ فيه، بل نَذرُ
الزَّيتِ والشَّمعِ ونحوِهما للقُبورِ باطِلٌ مُطلقًا، ومن ذلك نَذْرُ الشُّموعِ
الكبيرةِ العظيمةِ وغَيرِها لقبرِ الخليلِ عليه السَّلامُ، ولقَبرِ غيرِه من
الأنبياءِ والأولياءِ عليهم السَّلامُ؛ فإنَّ النَّاذِرَ لا يقصِدُ بذلك إلا
الإيقادَ على القبرِ تبركًا وتعظيمًا، ظانًّا أنَّ ذلك قُربةٌ... فهذا ممَّا لا ريبَ
في بطلانِه، والإيقادُ المذكورُ محَرَّمٌ، سواءٌ انتفع به منتَفِعٌ هناك أم لا) .
وقال الشَّاطبيُّ: (كُلُّ من ابتغى في تكاليفِ
الشَّريعةِ غيرَ ما شُرِعَت له، فقد ناقض الشَّريعةَ، وكُلُّ من ناقَضَها فعَمَلُه
في المناقَضةِ باطِلٌ، فمن ابتغى في التكاليفِ ما لم تُشرَعْ له فعَمَلُه باطِلٌ...؛
لأنَّ الأخذَ في خلافِ مقاصِدِ الشَّريعةِ مُشاقَّةٌ ظاهرةٌ، والله تعالى يقولُ:
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ
غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ
وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115] ، كما أنَّ القاصِدَ لخلافِ الشَّرعِ مُستهزئٌ
بآياتِ اللهِ وأحكامِه، واللهُ تعالى يقولُ: وَلَا تَتَّخِذُوَا آيَاتِ اللَّهِ
هُزُوًا [البقرة: 231] ) .
وقال ابنُ النَّحَّاس الشافعي وهو يَسردُ جملةً من
المنكَراتِ والبِدَعِ والمحْدَثاتِ: (ومنها: إيقادُهم السُّرُجَ عند الأشجارِ
والأحجارِ والعُيونِ والآبارِ، ويقولونَ: إنَّها تقبَلُ النَّذرَ. وهذه كُلُّها بِدَعٌ
شَنيعةٌ، ومُنكَراتٌ قبيحةٌ، يجِبُ إزالتُها ومحوُ أثَرِها؛ فإنَّ أكثَرَ
الجُهَّالِ يعتقدون أنَّها تَضُرُّ وتنفَعُ، وتجلِبُ وتدفَعُ، وتشفي المريضَ،
وتَرُدُّ الغائِبَ إذا نَذَر لها، وهذا شِركٌ ومحادَّةٌ للهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم... فالواجِبُ على من رأى شيئًا من ذلك أن يُذهِبَ أثَرَه ما قَدَر
عليه، ويطفئَ ما وجد عليه من سُرُجٍ وشمعٍ ونحوِ ذلك، ويُبَيِّنَ للنَّاسِ أن هذا
مُنكَرٌ وبِدعةٌ واعتقادٌ فاسِدٌ لا يحِلُّ، وأنَّه لا ضارَّ ولا نافعَ إلَّا
اللهُ تعالى وَحْدَه. ويجِبُ على العُلَماءِ إذا اشتَهَر شيءٌ من ذلك أن
يُبَيِّنوا للنَّاسِ حُكمَ اللهِ فيه ويُنكِروه بما تصِلُ إليه قُدرتُهم، واللهُ
يهدي من يشاءُ إلى صِراطٍ مُستقيمٍ)
.
وقال قاسِمُ بنُ قطلوبغا الحنفي في (شرح الدُّرر):
(أمَّا النَّذرُ الذي يَنذِرُه أكثَرُ العوامِّ على ما هو مُشاهَدٌ، كأن يكونَ لإنسانٍ
غائبٌ أو مريضٌ، أو له حاجةٌ ضَروريَّةٌ، فيأتي بعضُ الصُّلَحاءِ، فيَجعَلُ سُترةً
على رأسِه، فيقولُ: يا سيِّدي فُلان، إنَّ رُدَّ غائبي، أو عُوفِيَ مَريضي، أو
قُضِيَت حاجتي؛ فلك من الذَّهَبِ كذا، أو مِنَ الفِضَّةِ كذا، أو من الطَّعامِ
كذا، أو من الماءِ كذا، أو من الشَّمعِ كذا، أو من الزَّيتِ كذا؛ فهذا النَّذرُ
باطِلٌ بالإجماعِ؛ لوُجوهٍ: منها:
أنَّه نَذَرَ لمخلوقٍ، والنَّذرُ للمخلوقِ لا يجوزُ؛
لأنَّه عبادةٌ، والعبادةُ لا تكونُ للمَخلوقِ، ومنها أنَّ المنذورَ له مَيِّتٌ،
والميِّتُ لا يملِكُ، ومنها إن ظَنَّ أنَّ المَيِّتَ يتصَرَّفُ في الأمورِ دونَ
اللهِ تعالى، واعتقادُه ذلك كُفرٌ)
.
وقال البركوي الحنفي: (قال العُلَماءُ: لا يجوزُ أن
يُنذَرَ للقُبورِ لا شَمعٌ ولا زيتٌ ولا غيرُ ذلك؛ فإنَّه نَذرُ معصيةٍ لا يجوزُ
الوَفاءُ به بالاتِّفاقِ) .
وقال أيضًا واصفًا حالَ القُبوريِّين: (ثمَّ يُقَرِّبون
لذلك الوَثَنِ القَرابينَ، وتكونُ صَلاتُهم ونُسُكُهم وقُربانُهم لغيِر رَبِّ
العالَمين... والحاصِلُ أنَّهم مناقِضون لِما أمر به الرَّسولُ عليه السَّلامُ
ونهى عنه، ومحادُّون لما جاء به)
.
وقال أحمدُ الفاروقي السرهندي في مكتوباتِه: (التبَرِّي
من الكُفْرِ شَرطُ الإسلامِ، والاجتنابُ عن شائبةِ الشِّركِ توحيدٌ، والاستمدادُ
من الأصنامِ والطَّاغوتِ في دَفعِ الأمراضِ والأسقامِ، كما هو شائعٌ فيما بين
جَهَلةِ أهلِ الإسلامِ، عَينُ الشِّركِ والضَّلالةِ، وطَلَبُ الحوائِجِ من
الأحجارِ المنحوتةِ نَفسُ الكُفْرِ -إلى أن قال:- وما يفعلونَه من ذَبحِ
الحيواناتِ المنذورةِ للمَشائِخِ عند قُبورِ المشائِخِ المنذورةِ لهم، جَعَله
الفُقَهاءُ داخِلًا في الشِّركِ، وألحَقوه بجِنْسِ ذبائِحِ الجِنِّ الممنوعِ عنها
شَرْعًا) .
وقال ولي الله الدهلوي: (من أقسامِ الشِّركِ: أنَّهم
كانوا يتقَرَّبون إلى الأصنامِ والنُّجومِ بالذَّبحِ لأجْلِهم، إمَّا بالإهلالِ
عند الذَّبائحِ بأسمائِهم، وإمَّا بالذَّبحِ على الأنصابِ المخصوصةِ لهم؛ فنُهُوا
عن ذلك) .
وقال الصَّنعاني: (أمَّا النُّذورُ المعروفةُ في هذه الأزمنةِ
على القُبورِ والمشاهِدِ والأمواتِ، فلا كلامَ في تحريمِها؛ لأنَّ النَّاذِرَ
يعتَقِدُ في صاحِبِ القبرِ أنَّه ينفَعُ ويضُرُّ، ويجلِبُ الخيرَ ويدفَعُ
الشَّرَّ، ويعافي الأليمَ ويَشفي السَّقيمَ، وهذا هو الذي كان يفعَلُه عُبَّادُ الأوثانِ
بعَينِه؛ فيَحرُمُ كما يَحرُمُ النَّذرُ على الوَثَنِ، ويحرُمُ قَبْضُه؛ لأنَّه
تقريرٌ على الشِّركِ، ويجِبُ النَّهيُ عنه وإبانةُ أنَّه من أعظَمِ المحَرَّماتِ،
وأنَّه الذي كان يفعَلُه عُبَّادُ الأصنامِ، لكِنْ طال الأَمَدُ حتى صار المعروفُ
مُنكَرًا والمنكَرُ معروفًا، وصارت تُعقَدُ اللِّواءاتُ لقُبَّاضِ النُّذورِ على
الأمواتِ، ويُجعَلُ للقادمين إلى محلِّ الميِّتِ الضِّيافاتُ، ويُنحَرُ في بابِه
النَّحائِرُ من الأنعامِ، وهذا هو بعينِه الذي كان عليه عُبَّادُ الأصنامِ؛ فإنَّا
للهِ وإنَّا إليه راجعون) .
وقال مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ: (لا يجوزُ لعبدٍ أن
يَضَعَ وَجْهَه على الأرضِ ساجدًا إلَّا للهِ وَحْدَه لا شَريكَ له، لا لِمَلَكٍ
مُقَرَّبٍ، ولا لنبيٍّ مُرسَلٍ، ولا لوليٍّ. ومن ذلك الذَّبحُ، فلا يجوزُ لأحدٍ أن
يذبَحَ إلَّا لله وَحْدَه، كما قَرَن اللهُ بينهما في القرآنِ في قَولِه تعالى:
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ [الأنعام: 162] ، والنُّسُكُ هو الذَّبحُ، وقال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ [الكوثر: 2] ، فتفطَّنْ لهذا، واعلَمْ أنَّ مَن ذَبَح لغيرِ اللهِ مِن
جِنيٍّ أو قبرٍ، فكما لو سجد له، وقد لعنه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في
الحديثِ الصَّحيحِ بقَولِه: ((لعن اللهُ من ذبَحَ لغيرِ اللهِ)) .
وقال حُسَين وعبد الله ابنا محمَّدِ بنِ عبد الوهَّاب:
(النَّذرُ الذي يكون شِركًا: النَّذرُ لغيرِ اللهِ، كالنَّذرِ لوَليٍّ يُعبَدُ من
دونِ اللهِ، أو لقُبَّةٍ، أو لخَدَمَتِها وسَدَنَتِها، فهذا هو الذي يكونُ شِركًا،
وهو نذرُ معصيةٍ، لا يجوزُ نذرُه، ولا الوفاءُ به) .
وقال السويدي الشافعي بعد نَقْلِه كلامَ مجموعةٍ من
العُلَماءِ في الذَّبح ِلغيرِ الله: (تبَيَّنَ لك من هذه النُّقولِ كُلِّها أنَّ
ما يُقَرَّبُ لغيرِ اللهِ تقَرُّبًا إلى ذلك الغيرِ ليَدفَعَ عنه ضيرًا أو يجلِبَ
له خيرًا؛ تعظيمًا له: من الكُفرِ الاعتقاديِّ والشِّركِ الذي كان عليه الأوَّلون) .
وقال أبو السعود السويدي الشافعي: (قال بعضُهم: لو نذر
للأنبياءِ أو للأولياءِ، أو للملائكةِ، فلا خلافَ بين من يَعلَمُ ذلك ويتبيَّنُه
أنَّه من شِرْكِ الاعتقادِ؛ لأنَّ النَّاذِرَ لم يَنذِرْ هذا النَّذرَ إلَّا
لاعتقادِه في المنذورِ له أنَّه يَضُرُّ وينفَعُ، ويُعطي ويمنَعُ، إمَّا بطَبْعِه،
وإمَّا بقوَّةِ السَّبَبيَّة فيه، والدَّليلُ على اعتقادِهم هذا الاعتقادَ قَولُهم:
وقَعْنا في شِدَّةٍ فنَذَرْنا لفلانٍ؛ فانكَشَفَت شِدَّتُنا! ويقولُ بعضُهم: هاجت علينا الأمواجُ
فندَبْتُ الشَّيخَ فلانًا؛ فسَلِمَت سفينتُنا! وبعضُهم يقولُ: خرَجَت علينا
الأعداءُ وكِدْنا نُستأسَرُ، فنَدَبتُ فلانًا ونذَرْتُ له الشَّيءَ الفُلانيَّ؛
فسَلِمْنا، وتراهم إذا لم يَفُوا وحصلت لهم بعضُ الآلامِ، قيل للناذِرِ: أوْفِ
بنَذْرِك، وإلَّا يُفعَلْ بك كذا وكذا، فيسارِعُ بالوَفاءِ، ولو أنَّه يستدينُ على
ذِمَّتِه، ولو كان مديونًا أو مضطرًّا، وربَّما لا يعبَأُ بوفائِه، وربما يموتُ
وهو مديونٌ، كُلُّ ذلك خوفًا من المنذورِ له وطلبًا لرضاه، وهل هذا إلَّا من سوءِ
اعتقادِه، وقِلَّةِ دينِه وكَسادهِ؟!)
.
وقال الشَّوكانيُّ: (من المفاسِدِ البالغةِ إلى حَدٍّ
يَرمي بصاحِبِه إلى وراءِ حائطِ الإسلامِ ويُلقيه على أمِّ رأسِه من أعلى مكانِ
الدِّينِ: أنَّ كثيرًا منهم يأتي بأحسَنِ ما يملِكُه من الأنعامِ، وأجوَدِ ما
يحوزُه من المواشي، فيَنحَرُه عند ذلك القبرِ، متقَرِّبًا به إليه، راجيًا ما
يُضمِرُ حُصولَه له منه، فيُهِلُّ به لغير الله، ويتعبَّدُ به لوَثَنٍ من
الأوثانِ؛ إذ إنَّه لا فَرْقَ بين نحرِ النَّحائِرِ لأحجارٍ مَنصوبةٍ يُسَمُّونها
وَثَنًا، وبين قبرٍ لِمَيِّت يسمُّونه قبرًا، ... ولا شَكَّ أنَّ النَّحَر نوعٌ من
أنواعِ العبادة التي تعَبَّدَ اللهُ العبادَ بها، كالهدايا والفِدْيَة والضَّحَايا،
فالمتقَرِّبُ بها إلى القبرِ والناحِرُ لها عنده لم يكُنْ له غَرَضٌ بذلك إلَّا
تعظيمَه وكرامتَه، واستجلابَ الخيرِ منه، واستدفاعَ الشَّرِّ به، وهذه عبادةٌ لا
شَكَّ فيها، وكفاك من شرٍّ سماعُه!)
.
وقال عبدُ اللهِ أبا بطين: (فالدِّينُ كُلُّه داخِلٌ في
العبادةِ، فإذا عَلِمَ الإنسانُ وتحَقَّق معنى الإلهِ، وأنَّه المعبودُ، وعرف حقيقةَ
العبادةِ، تَبَيَّن له أنَّ من جعل شيئًا من العبادةِ لغيرِ اللهِ فقد عبدَه
واتخذه إلهًا، وإن فَرَّ من تسميتِه معبودًا أو إلهًا، ... فتغَيُّرُ الاسمِ لا يُغَيِّرُ
حقيقة المسمَّى، ولا يزيلُ حُكمَه، ... وكذلك ما يفعَلُه عُبَّادُ القبورِ من
دعاءِ أصحابِها، والتقَرُّبِ إليهم بالذَّبائحِ والنُّذورِ، عبادةً منهم
للمَقبورين، وإن كانوا لا يُسَمُّونه ولا يعتَقِدونه عبادةً) .
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حسَن آل الشَّيخِ: (النَّاذِرُ لله
وَحْدَه عَلَّق رَغْبَتَه به وَحْدَه، لعِلْمِه بأنَّه تعالى ما شاء كان وما لم
يشَأْ لم يكُنْ، وأنَّه لا مانِعَ لِما أعطى، ولا مُعطِيَ لِما مَنَع، فتوحيدُ
القَصدِ هو توحيدُ العبادةِ؛ ولهذا ترتَّب عليه وجوبُ الوفاءِ فيما نَذَره طاعةً
لله، والعبادةُ إذا صُرِفَت لغيرِ اللهِ صار ذلك شِركًا باللهِ؛ لالتفاتِه إلى غيرِه
تعالى فيما يرغَبُ فيه أو يرهَبُ، فقد جعله شريكًا لله في العبادةِ) .
وقال المعصومي الخجندي: (لا بدَّ مِن نَفْيِ الشِّركِ في
العبادةِ رأسًا، والبراءةِ منه وممَّن فَعَله؛ قال تعالى: وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا
الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف: 26، 27]، و قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي
إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ
مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَحْدَهُ [الممتحنة: 4]، فأصلُ دينِ الإسلامِ إنَّما هو عبادةُ اللهِ
وَحْدَه لا شريكَ له، والتَّحريضُ على ذلك، فمن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وهو مع
ذلك يفعَلُ الشِّركَ الأكبَرَ، كدُعاءِ الموتى والغائبين، وسؤالِهم قضاءَ
الحاجاتِ، وتفريجَ الكُرُباتِ، والتقَرُّبِ إليهم بالنَّذرِ والذَّبائحِ؛ فهذا
مُشرِكٌ شاء أم أبى) .
وقال محمَّدُ بنُ إبراهيم آل الشَّيخ: (أمَّا الذَّبحُ
لغَيرِ اللهِ فهو شِركٌ أكبَرُ، والعِياذُ باللهِ؛ لأنَّ الذَّبحَ لله عبادةٌ، قال
تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2] ، وقال تعالى: قُلْ إِنَّ
صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ِلِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ
له [الأنعام: 162-163] ، فمن صرف شيئًا من هذه العبادةِ لغيرِ اللهِ فهو مُشرِكٌ
كافِرٌ) .
وقال أيضًا: (النَّذرُ والذَّبحُ من أنواعِ العبادةِ
التي هي محْضُ حَقِّ اللهِ، لا يَصلُحُ منها شيءٌ لغيرِ اللهِ، لا لمَلَكٍ
مُقَرَّبٍ، ولا لنبيٍّ مُرسَلٍ، فَضْلًا عن غَيرِهما، فمن نَذَر أو ذبح لغيرِ
اللهِ فقد أشرك باللهِ شِرْكًا يخرُجُ به عن مِلَّةِ الإسلامِ) . }}💥💥💥💥💥
6 - في كفِّ الرَّحمَنِ حَتَّى تَكونَ أعظَمَ من
الجَبَلِ كما يُرَبِّي أحَدُكم فَلُوَّهُ، أو فَصيلَه.{{مِن فَضلِ اللهِ تعالى
أنَّه يُضاعِفُ أجرَ الأعمالِ الصَّالِحةِ.
قال اللهُ تعالى: إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا
حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [التغابن: 17] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه: وإن تُنفِقوا في
سَبيلِ اللهِ، فتُحْسِنوا فيها النَّفَقةَ، وتَحتَسِبوا بإنفاقِكمُ الأجرَ
والثَّوابَ؛ يُضاعِفْ ذلك لَكم رَبُّكم، فيَجعَلْ لَكم مَكانَ الواحِدِ
سَبعَمِائةِ ضِعفٍ إلى أكثَرَ من ذلك مِمَّا يَشاءُ من التَّضعيفِ، ويَغفِرْ لَكم ذُنوبَكم،
فيَصفَحْ لَكم عن عُقوبَتِكم عليها مَعَ تَضعيفِه نَفقَتَكمُ التي تُنفِقونَ في
سَبيلِه) .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما تَصَدَّقَ أحَدٌ بصَدَقةٍ من طَيِّبٍ، ولا يَقبَلُ
اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ، إلَّا أخذَها الرَّحمَنُ بيَمينِه وإن كانت تَمرةً،
فتَربو في كفِّ الرَّحمَنِ حَتَّى تَكونَ أعظَمَ من الجَبَلِ كما يُرَبِّي أحَدُكم
فَلُوَّهُ، أو فَصيلَه ))
وأقَلُّ ما تُضاعَفُ به الحَسنةُ عَشَرةُ أضعافٍ.
قال اللهُ سُبحانَه: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ
عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]
.
قال ابنُ جَريرٍ: (يَعني بقَولِه: فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا فلَه عَشرُ حَسَناتٍ أمثالِ حَسَنَتِه التي جاءَ بها) .
وقال ابنُ كثيرٍ: (وهذه الآيةُ الكَريمةُ مُفصِّلةٌ لِما
أجمِلَ في الآيةِ الأُخرى، وهيَ قَولُه: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ
مِنْهَا [النمل: 89] ، وقد ورَدتِ الأحاديثُ مُطابِقةً لهذه الآيةِ) .
وقال الشَّوكانيُّ: (قد ثَبَتَ هذا التَّضعيفُ في
السُّنَّةِ بأحاديثَ كثيرةٍ، وهذا التَّضعيفُ هو أقَلُّ ما يَستَحِقُّه عامِلُ
الحَسَنةِ) .
أمَّا السَّيِّئةُ فلا يُجزى صاحِبُها
إلَّا مِثلَها.بشرط التوبة منها قبل الممات وعدم الاصرار عليها
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا [الأنعام: 160] .
قلت
المدون ودليل حتمية التوبة منها قبل الممات قوله
تعالي في سورة النمل{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ
مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ
إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ
هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا
يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ
(92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا
رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) } وقوله تعالي{{ وَقَالُوا
لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ
اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ
خَطِيئَتُهُ //قلت المدون والاحاطة هي عدم االخروج من دائرة
السيئة لعدم توبة مرتكبها واصراره عليها }} فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}}
قال الشَّوكانيُّ: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ من
الأعمالِ السَّيِّئةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا من دونِ زيادةٍ عليها، على
قَدرِها في الخِفَّةِ والعِظَمِ، فالمُشرِكُ يُجازى على سَيِّئةِ الشِّركِ
بخُلودِه في النَّارِ، وفاعِلُ المَعصيةِ من المُسلِمينَ{{قلت المدون :الذي تاب منها قبل
موته وبقي عليه كفارتها}}
يُجازى عليها بمِثلِها مِمَّا ورَدَ تَقديرُه من
العُقوباتِ، كما ورَدَ بذلك كثيرٌ من الأحاديثِ المُصرِّحةِ بأنَّ من عَمِلَ كذا
فعليه كذا، وما لَم يَرِدْ لعُقوبَتِه تَقديرٌ من الذُّنوبِ فعلينا أن نَقولَ:
يُجازيه اللهُ بمِثلِه وإن لَم نَقِفْ على حَقيقةِ ما يُجازى به، وهذا إن لَم يَتُبْ،
أمَّا إذا تابَ أو غَلَبَت حَسَناتُه سَيِّئاتِه، أو تَغمَّدَه اللهُ برَحمَتِه،
وتَفَضَّلَ عليه بمَغفِرَتِه، فلا مُجازاةَ، وأدِلَّةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ
مُصرِّحةٌ بهذا تَصريحًا لا يَبقى بَعدَه ريبٌ لمُرتابٍ) .
وقال السَّعديُّ: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنةِ القَوليَّةِ والفِعليَّةِ،
الظَّاهرةِ والباطِنةِ، المُتَعَلِّقةِ بحَقِّ اللهِ أو حَقِّ خَلقِه فَلَهُ
عَشْرُ أَمْثَالِهَا هذا أقَلُّ ما يَكونُ من التَّضعيفِ.
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا،
وهذا من تَمامِ عَدْلِه تعالى وإحسانِه، وأنَّه لا يَظلِمُ مِثقالَ ذَرَّةٍ؛
ولِهذا قال: وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
.
ومن فضلِ اللهِ أنَّ المُسلِمَ الذي يَهُمُّ بفِعلِ
الحَسَنةِ ولَكِنَّه لا يَفعَلُها تُكتَبُ له حَسَنةٌ تامَّةٌ، وأنَّ المُسلِمَ
الذي يَهُمُّ بفِعلِ السَّيِّئةِ ثُمَّ تُدرِكُه مَخافةُ اللهِ فيَترُكُها تُكتَبُ
له حَسَنةٌ تامَّةٌ
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضى الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم فيما يَرويه عن رَبِّه عزَّ وجَلَّ قال: ((إنَّ اللهَ كتَبَ الحَسَناتِ
والسِّيِّئاتِ، ثُمَّ بيَّنَ ذلك؛ فمَن همَّ بحَسَنةٍ فلَم يَعمَلْها كتَبَها
اللهُ له عِندَه حَسَنةً كامِلةً، فإنْ هو هَمَّ بها فعَمِلَها كتَبَها اللهُ له
عِندَه عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبعِمِائةِ ضِعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، ومن هَمَّ
بسَيِّئةٍ فلَم يَعمَلْها كتَبَها اللهُ له عِندَه حَسَنةً كامِلةً، فإنْ هو هَمَّ
بها فعَمِلَها كتَبَها اللهُ له سَيِّئةً واحِدةً )) .
قال النَّوَويُّ: (فانظُر يا أخي -وفَقَّنا اللهُ وإيَّاك-
إلى عَظيمِ لُطفِ اللهِ تعالى، وتَأمَّلْ هذه الألفاظَ، وقَولُه عِنْدَه إشارةٌ
إلى الِاعتِناءِ بها، وقَولُه كامِلةً للتَّأكيدِ وشِدَّةِ الِاعتِناءِ بها، وقال
في السَّيِّئةِ التي همَّ بها ثُمَّ تَركَها كتَبَها اللهُ عنده حَسَنةً كامِلةً،
فأكَّدَها بـ (كامِلة)، وإنْ عَمِلَها كتَبَها سَيِّئةً واحِدةً، فأكَّدَ
تَقليلَها بـ (واحِدة) ولَم يُؤَكِّدْها بـ (كامِلة)؛ فلِلَّه الحَمدُ والمَنَّةُ،
سُبحانَه لا نُحصي ثَناءً عليه، وبِالله التَّوفيقُ) .
وقال ابنُ دَقيقِ العيدِ: (قال الشُّرَّاحُ لهذا الحَديثِ:
هذا حَديثٌ شَريفٌ عَظيمٌ بيَّنَ فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِقدارَ
تَفَضُّلِ الله عزَّ وجَلَّ على خَلقِه: بأنْ جَعلَ همَّ العَبدِ بالحَسَنةِ وإن
لَم يَعمَلْها حَسَنةً، وجَعلَ هَمَّه بالسَّيِّئةِ وإن لَم يَعمَلْها حَسَنةً،
وإنْ عَمِلَها سَيِّئةً واحِدةً، فإنْ عَمِلَ الحَسَنةَ كتَبَها اللهُ عَشْرًا،
وهذا الفَضلُ العَظيمُ بأنْ ضاعَفَ لهمُ الحَسَناتِ ولَم يُضاعِفْ عليهمُ
السَّيئاتِ. وإنَّما جَعَلَ الهَمَّ بالحَسَناتِ حَسَنةً لأنَّ إرادةَ الخَيرِ هو
فِعلُ القَلبِ لعَقدِ القَلبِ على ذلك. فإنْ قيلَ: فكان يَلزَمُ على هذا القَولِ
أن يَكتُبَ لمَن همَّ بالسَّيِّئةِ ولَم يَعمَلْها سَيِّئةً لأنَّ الهَمَّ بالشَّيءِ
عَمَلٌ من أعمالِ القَلبِ أيضًا! قيلَ: ليس كما تَوَهَّمْتَ؛ فإنَّ من كفَّ عن
الشَّرِّ فقد فسخَ اعتِقادَه للسَّيِّئةِ باعتِقادٍ آخَرَ نَوى به الخَيرَ وعَصى
هواه المُريدَ للشَّرِّ؛ فجُوزي على ذلك بحَسَنةٍ، وقد جاءَ في حَديثٍ آخَرَ:
((إنَّما تَركَها من جَرَّائي)) أي: مِنْ أجلي) .
ويَبلُغُ فضلُ الله تعالى بعِبادِه أن يُبَدِّلَ
سَيِّئاتِهم حَسَناتٍ
قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ
لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: 68 - 70] .
قال السَّمعانيُّ: (قَولُه: إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا مَعناه: إلَّا من نَدِمَ وآمَنَ برَبِّه، وعَمِلَ
عَمَلًا صالِحًا في المُستَقبَلِ.
وقَولُه: فَأُولَئِك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ قال الحَسَنُ البَصَريُّ ومَجاهِدٌ وجَماعةٌ: هذا في الدُّنيا. ومَعناه:
تَبديلُ الكُفرِ بالإيمانِ، والشِّركِ بالإخلاصِ، والمَعصيةِ بالطَّاعةِ.
وقال سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ وجَماعةٌ: هذا في الآخِرةِ،
واللهُ تعالى يُبَدِّلُ سَيِّئاتِ التَّائِبِ بالحَسَناتِ في صَحيفَتِه.
وقد ورَدَ في القَولِ الثَّاني خَبَرٌ صَحيحٌ عن
النَّبيِّ، أخرجه وكيعٌ، عن الأعمَشِ، عن المَعرورِ بنِ سُوَيدٍ، عن أبي ذَرٍّ،
أنَّ النَّبيَّ قال: "يُؤتى بالمُؤمِنِ يَومَ القيامةِ فيُعرَضُ عليه صِغارُ
ذُنوبِه، ويُخبأُ عنه كِبارُها، فيُسأَلُ ويَعتَرِفُ، وهو مُشفِقٌ من الكَبائِرِ،
فيَقولُ اللهُ تعالى: أعطُوه مَكان كُلِّ سَيِّئةٍ حَسَنةً، فيَقولُ: يا رَبِّ، إنَّ
لي ذُنوبًا ولا أراها هاهنا؟ فضَحِكَ رَسولُ اللهِ حَتَّى بَدَت نواجِذُه".
أخرَجَه مُسلِمٌ في صَحيحِه . ... وقد أنكَرَ جَماعةٌ من المُتَقَدِّمينَ أن
تَنقَلِبَ السَّيئةُ حَسَنةً؛ منهمُ الحَسَنُ البَصريُّ وغَيرُه، وإذا ثَبَتَ
الخَبَرُ عن النَّبيِّ لَم يَبْقَ لأحَدٍ كَلامٌ) .
وقال القُرطُبيُّ بَعدَ أن ذَكرَ القَولينِ: (قُلتُ: فلا
يَبعُدُ في كرَمِ الله تعالى إذا صَحَّتْ تَوبةُ العَبدِ أن يَضَعَ مَكانَ كُلِّ
سَيِّئةٍ حَسَنةً) .
وقال ابنُ كثيرٍ: (في مَعنى قَولِه: يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَناتٍ قَولانِ:
أحَدُهما:
أنَّهم بُدِّلوا مَكانَ عَمَلِ السَّيِّئاتِ بعَمَلِ
الحَسَناتِ. قال عليُّ بنُ أبي طَلحةَ، عن ابنِ عَباسٍ في قَولِه: فَأُولَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ قال: همُ المُؤمِنونَ، كانوا من قَبلِ
إيمانِهم على السَّيِّئاتِ، فرَغِبَ الله بهم عن ذلك، فحَوَّلهم إلى الحَسَناتِ،
فأبدَلهم مَكانَ السِّيِّئاتِ الحَسَناتِ...
والقَولُ الثَّاني: أنَّ تلك السَّيِّئاتِ الماضيةَ
تَنقَلِبُ بنَفسِ التَّوبةِ النَّصوحِ حَسَناتٍ، وما ذاك إلَّا أنَّه كُلَّما
تَذكَّر ما مَضى نَدِمَ واستَرجَع واستَغفَرَ، فيَنقَلِبُ الذَّنبُ طاعةً بهذا
الِاعتِبارِ. فيَومَ القيامةِ وإن وجَدَه مَكتوبًا عليه لَكِنَّه لا يَضُرُّه
ويَنقَلِبُ حَسنةً في صَحيفَتِه، كما ثَبتَتِ السُّنَّةُ بذلك، وصَحَّت به الآثارُ
المَرَويَّةُ عن السَّلَفِ، رَحمَهمُ اللهُ تعالى) .
وقال ابنُ رَجَبٍ: (في صَحيحِ مُسلِمٍ من حَديثِ أبي
ذَرٍّ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنِّي لأعلَمُ آخِرَ أهلِ
الجَنَّةِ دُخولًا الجَنَّةَ، وآخِرَ أهلِ النَّارِ خُروجًا منها: رَجُلٌ يُؤتى به
يَومَ القيامةِ فيُقالُ: اعرِضوا عليه صِغارَ ذُنوبِه، وارفَعوا عنه كِبارَها،
فتُعْرَضُ عليه صِغارُ ذُنوبِه، فيُقالُ له: عَمِلْتَ يَومَ كذا وكَذا كذا وكَذا، وعَمِلْتَ
يَومَ كذا وكَذا كذا وكَذا، فيَقولُ: نَعَم، لا يَستَطيعُ أن يُنكِرَ، وهو مُشفِقٌ
من كِبارِ ذُنوبِه أن تُعرَضَ عليه، فيُقالُ له: فإنَّ لَك مَكانَ كُلِّ سَيِّئةٍ
حَسَنةً، فيَقولُ: يا رَبِّ قد عَمِلْتُ أشياءَ لا أراها هاهنا قال: فلَقد رَأيتُ
رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضَحِكَ حَتَّى بَدَت نَواجِذُه )) .
فإذا بُدِّلَتِ السَّيئاتُ بالحَسَناتِ في حَقِّ من
عَوقِبَ على ذُنوبِه بالنَّارِ، ففي حَقِّ من مُحيَتْ سَيِّئاتُه بالإسلامِ
والتَّوبةِ النَّصوحُ أَولى؛ لأنَّ مَحْوَها بذلك أحَبُّ إلى اللهِ من مَحوِها
بالعِقابِ) . }}
💥💥💥💥💥
7 - في أعظَمِ الظُّلمِ وأشنَعِه، كما قال تعالى: إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13].
دُعاءُ الموتى
الدُّعاءُ عِبادةٌ من أعظَمِ العباداتِ، وأجَلِّ الطَّاعات، ويجِبُ صَرْفُه لله تعالى وَحْدَه لا شَريكَ له، فإنَّ من دعا أو استغاث أو استعان أو استعاذ بغيرِ اللهِ تعالى فيما لا يقدِرُ عليه إلَّا اللهُ عَزَّ وجَلَّ، فقد كفر وخرج من الملَّةِ، سواءٌ كان هذا الغيرُ نبيًّا، أو وليًّا، أو مَلَكًا، أو جِنيًّا، أو غيرَ ذلك من المخلوقات.
قال اللهُ تعالى: وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 106- 107] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: ولا تَدْعُ -يا مُحَمَّدُ- مِن دونِ مَعبودِك وخالِقِك شيئًا لا ينفَعُك في الدُّنيا ولا في الآخِرةِ، ولا يَضُرُّك في دينٍ ولا دنيا، يعني بذلك الآلهةَ والأصنامَ، يقولُ: لا تَعْبُدْها راجِيًا نَفْعَها أو خائِفًا ضُرَّها؛ فإنَّها لا تَنفَعُ ولا تضُرُّ، فإن فعلتَ ذلك فدعَوْتَها من دوِن اللهِ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ [يونس: 106] يقولُ: من المُشْرِكين بالله، الظَّالِمي أنفُسِهم)
.
وقال السَّعديُّ: (هذا وصفٌ لكل مخلوقٍ؛ أنَّه لا ينفَعُ ولا يضُرُّ، وإنما النافِعُ الضَّارُّ هو الله تعالى فَإِنْ فَعَلْتَ بأن دعَوْتَ من دونِ اللهِ ما لا ينفَعُك ولا يضُرُّك فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ أي: الضَّارِّين أنفُسَهم بإهلاكِها، وهذا الظُّلمُ هو الشِّركُ، كما قال تعالى: إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، فإذا كان خيرُ الخَلْقِ لو دعا مع اللهِ غيرَه، لكان من الظَّالِمين المُشْرِكينَ، فكيف بغَيرِه؟!!) .
وقال اللهُ سُبحانَه: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ [الشعراء: 213] .
قال الشَّوكانيُّ: (أمَرَ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بدُعاءِ اللهِ وَحْدَه فقال: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ، وخِطابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا مع كونِه مُنَزَّهًا عنه، معصومًا منه؛ لحَثِّ العِبادِ على التَّوحيدِ، ونهيِهم عن شوائِبِ الشِّركِ، وكأنَّه قال: أنت أكرَمُ الخَلْقِ عليَّ، وأعَزُّهم عندي، ولو اتَّخَذْتَ معي إلهًا لعَذَّبْتُك، فكيف بغَيرِك من العبادِ؟) .
وقال السَّعديُّ: (ينهى تعالى رَسولَه أصلًا، وأمَّتُه أُسوةٌ له في ذلك، عن دعاءِ غيرِ اللهِ، من جميعِ المخلوقينَ، وأنَّ ذلك موجِبٌ للعَذابِ الدَّائِمِ، والعِقابِ السَّرمديِّ، لكَونِه شِركًا، ومَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ والنَّهيُ عن الشَّيءِ أمرٌ بضِدِّه؛ فالنَّهيُ عن الشِّركِ أمرٌ بإخلاصِ العِبادةِ للهِ وَحْدَه لا شَريكَ له؛ مَحبَّةً وخوفًا ورجاءً، وذُلًّا وإنابةً إليه في جميعِ الأوقاتِ) .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه لنَبيِّه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [الجن: 1] وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا [الجن: 18] أيُّهَا النَّاسُ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18] ، ولا تُشرِكوا به فيها شيئًا، ولكِنْ أفرِدوا له التَّوحيدَ، وأخلِصوا له العِبادةَ) .
وقال القُرطبي: (هذا توبيخٌ للمُشْرِكين في دعائِهم مع اللهِ غَيْرَه في المسجِدِ الحرامِ. وقال مجاهِدٌ: كانت اليهودُ والنَّصارى إذا دخلوا كنائِسَهم وبِيَعَهم أشركوا باللهِ، فأمَرَ اللهُ نبيَّه والمؤمنين أن يخلِصوا لله الدَّعوةَ إذا دخلوا المساجِدَ كُلَّها) .
وقال ابنُ باز: (لا رَيْبَ أنَّ الدُّعاءَ مِن أهمِّ أنواعِ العبادةِ وأجمَعِها، فوجب إخلاصُه لله وَحْدَه، كما قال عَزَّ وجَلَّ: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر: 14] ، وقال عَزَّ وجَلَّ: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18] ، وهذا يعُمُّ جميعَ المخلوقاتِ مِن الأنبياءِ وغَيرِهم؛ لأنَّ (أحَدًا) نكرةٌ في سياقِ النَّهيِ، فتَعُمُّ كُلَّ مَن سِوى الله سُبحانَه، وقال تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ [يونس: 106] ، وهذا خِطابٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومعلومٌ أنَّ اللهَ سُبحانَه قد عَصَمَه مِنَ الشِّركِ، وإنَّما المرادُ من ذلك تحذيرُ غَيِره. ثمَّ قال عَزَّ وجَلَّ: فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ، فإذا كان سَيِّدُ وَلَدِ آدمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لو دعا غيرَ اللهِ يكونُ مِن الظَّالِمين، فكيف بغَيرِه؟) .
وقال اللهُ تعالى: وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: 88] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: ولا تعبُدْ -يا مُحَمَّدُ- مع معبودِك الذي له عبادةُ كُلِّ شَيءٍ مَعبودًا آخَرَ سِواه. وقَولُه: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يقولُ: لا مَعبودَ تَصلُحُ له العبادةُ إلَّا اللهُ) .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 5-6] .
قال السَّعديُّ: (قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ أي: مُدَّةَ مُقامِه في الدُّنيا لا ينتَفِعُ به بمثقالِ ذَرَّةٍ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ لا يَسمَعونَ منهم دعاءً ولا يجيبونَ لهم نداءً، هذا حالُهم في الدُّنيا، ويومَ القيامةِ يَكفُرونَ بشِرْكِهم) .
وقال ابنُ عثيمين: (دُعاءُ غيرِ اللهِ شِركٌ في الدِّينِ، وسَفَهٌ في العَقلِ؛ شِركٌ في الدِّينِ؛ لأنَّهم اتَّخَذوا شريكًا مع اللهِ، وسَفَهٌ في العَقلِ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، ويومَ القيامةِ لا يَنفَعونَهم وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ فوصف اللهُ هذه المدْعُوَّاتِ بأنَّها عاجزةٌ لا يَستجيبون أبدًا لو دَعَوهم إلى يومِ القيامةِ، وبأنَّها غافِلةٌ لا تدري من يدعوها، ولا تحِسُّ بشَيءٍ من ذلك، وبأنَّه إذا كان يومُ القيامةِ، وهو وقتُ الحاجةِ الحقيقيَّةِ، إذا حُشِرَ النَّاسُ كانوا لهم أعداءً، وكانوا بعبادتِهم كافِرين، كدُعاءِ الأولياءِ والأصنامِ وما أشبَهَها) .
وعن ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من مات وهو يدعو من دونِ اللهِ نِدًّا، دَخَل النَّارَ)) .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (من أعظَمِ الاعتداءِ والعُدوانِ والذُّلِّ والهَوانِ: أن يُدعَى غيرُ اللهِ؛ فإنَّ ذلك من الشِّركِ، واللهُ لا يَغفِرُ أن يُشرَكُ به، وإنَّ الشِّركَ لظُلمٌ عظيمٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (مِن أنواعِه أي: الشِّركِ الأكبَرِ طَلَبُ الحوائِجِ مِن الموتى، والاستغاثةُ بهم، والتَّوجُّهُ إليهم، وهذا أصلُ شِركِ العالَمِ؛ فإنَّ الميِّتَ قد انقطَعَ عَمَلُه، وهو لا يملِكُ لنَفْسِه ضَرًّا ولا نَفْعًا، فضلًا عمَّن استغاث به، وسأله قضاءَ حاجتِه، أو سأله أن يشفَعَ له إلى اللهِ فيها، وهذا من جَهْلِه بالشَّافِعِ والمشفوعِ له عِنْدَه) .
ويجِبُ أن يُعلَمَ أنَّ من قَصَد غيرَ اللهِ بدُعاءٍ أو استعاذةٍ أو استعانةٍ، فهو كافِرٌ، وإن لم يعتَقِدْ فيمن قَصَده تدبيرًا أو تأثيرًا أو خَلْقًا؛ فمُشْرِكو العَرَبِ الذين قاتلهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكونوا يعتَقِدون أنَّ مَعبوداتِهم تَخلُقُ وتَرزُقُ، وتُدَبِّرُ أمرَ مَن قَصَدَها، بل كانوا يَعلَمون أنَّ ذلك لله وَحْدَه، كما حكاه عنهم في غيرِ موضعٍ مِن كتابِه، بل كانوا يَدْعُونَها ويَستَغيثون بها مع إقرارِهم بأنَّ اللهَ هو المدَبِّرُ الخالِقُ الرَّزَّاقُ .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (كان من أتباعِ هؤلاء المُشْرِكين من يسجُدُ للشَّمسِ والقَمَرِ، والكواكِبِ، ويَدْعوها كما يدعو اللهَ تعالى، ويصومُ لها وينسُكُ لها، ويتقَرَّبُ إليها، ثم يقولُ: إنَّ هذا ليس بشِركٍ، وإنما الشِّركُ إذا اعتَقَدْتُ أنَّها هي المدَبِّرةُ لي، فإذا جعَلْتُها سببًا وواسطةً لم أكن مُشْرِكًا! ومن المعلومِ بالاضطرارِ من دينِ الإسلامِ أنَّ هذا شِرْكٌ) .
فدُعاءُ غيرِ اللهِ مِن نواقِضِ الإيمانِ، وكذا الاستغاثةُ والاستعانةُ والاستعاذةُ بغَيرِه تعالى، وذلك من وجوهٍ عديدةٍ؛ منها:
1- أنَّ اللهَ تعالى هو الإلهُ الحَقُّ، وأنَّ معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ، أي: لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ تعالى وَحْدَه، فهو سُبحانَه وَحْدَه المستَحِقُّ لجميعِ أنواعِ العبادةِ، والدُّعاءُ من أجَلِّ العباداتِ وأعظَمِها شأنًا، وقد سمَّاه الله تعالى عبادةً، كما قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِـبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60] .
قال ابنُ جريرٍ: (اعبُدوني وأخلِصوا لي العبادةَ دونَ مَن تَعبُدونَ مِن دوني من الأوثانِ والأصنامِ وغيرِ ذلك أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] يقولُ: أُجِبْ دُعاءَكم، فأعفو عنكم وأرحمُكم) .
وقال الشَّوكانيُّ: (قال أكثَرُ المفَسِّرين: المعنى: وَحِّدوني واعبُدوني، أتقَبَّلْ عبادتَكم وأغفِرْ لكم، وقيل: المرادُ بالدُّعاءِ: السُّؤالُ بجَلْبِ النَّفعِ، ودَفعِ الضُّرِّ. قيل: الأوَّلُ أَولى؛ لأنَّ الدُّعاءَ في أكثَرِ استعمالاتِ الكِتابِ العزيزِ هو العبادةُ. قُلتُ: بل الثَّاني أَولى؛ لأنَّ معنى الدُّعاءِ حقيقةً وشَرعًا: هو الطَّلَبُ، فإن استُعمِلَ في غيرِ ذلك فهو مجازٌ، على أنَّ الدُّعاءَ في نَفْسِه باعتبارِ معناه الحقيقيِّ هو عبادةٌ، بل مُخُّ العبادةِ، كما ورد بذلك الحديثُ الصَّحيحُ ، فالله سُبحانَه قد أمَرَ عبادَه بدعائِه ووَعَدَهم بالإجابةِ ووَعْدُه الحقُّ، وما يُبَدَّلُ القَولُ لديه، ولا يخلِفُ الميعادَ، ثمَّ صَرَّح سُبحانَه بأنَّ هذا الدُّعاءَ باعتبارِ معناه الحقيقيِّ، وهو الطَّلَبُ، هو من عبادتِه، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60] ، أي: ذليلِينَ صاغِرينَ، وهذا وعيدٌ شديدٌ لِمن استكبر عن دعاءِ اللهِ، وفيه لُطفٌ بعِبادِه عظيمٌ وإحسانٌ إليهم جليلٌ؛ حيث توعَّد من تَرَك طَلَبَ الخيرِ منه، واستدفاعَ الشَّرِّ به، بهذا الوعيدِ البالِغِ، وعاقَبَه بهذه العقوبةِ العَظيمةِ، فيا عِبادَ اللهِ وَجِّهوا رَغَباتِكم، وعَوِّلوا في كُلِّ طَلَباتِكم على من أَمَركم بتوجيهِها إليه، وأَرشَدَكم إلى التعويلِ عليه، وكَفَل لكم الإجابةَ به بإعطاءِ الطِّلبةِ؛ فهو الكريمُ المُطلَقُ الذي يجيبُ دَعوةَ الدَّاعي إذا دعاه، ويَغضَبُ على من لم يَطلُبْ مِن فَضْلِه العظيمِ ومُلْكِه الواسِعِ ما يحتاجُه من أمورِ الدُّنيا والدِّينِ، قيل: وهذا الوَعدُ بالإجابةِ مُقَيَّدٌ بالمشيئةِ، أي: أستَجِبْ لكم إن شِئْتُ، كقَولِه سُبحانَه: فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ) .
وقال سُبحانَه وتعالى في شأنِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [مريم: 48- 49] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ: وأجتَنِبُكم وما تَدْعون من دونِ اللهِ مِن الأوثانِ والأصنامِ... وأدعو رَبِّي بإخلاصِ العبادةِ له، وإفرادِه بالرُّبوبيَّةِ... عسى أن لا أشقى بدُعاءِ رَبِّي، ولكِنْ يجيبُ دُعائي، ويُعطيني ما أسألُه) .
وقال اللهُ تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 5- 6] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: وأيُّ عبدٍ أضَلُّ مِن عَبدٍ يدعو من دونِ اللهِ آلهةً لا تستجيبُ له إلى يومِ القيامةِ؟ يقول: لا تجيبُ دُعاءَه أبدًا؛ لأنَّها حَجَرٌ أو خَشَبٌ أو نحوُ ذلك، وقَولُه: وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: 5] يقولُ تعالى ذِكْرُه: وآلهتُهم التي يَدْعُونَهم، عن دعائِهم إيَّاهم في غَفلةٍ؛ لأنَّها لا تسمَعُ ولا تَنطِقُ، ولا تَعقِلُ، وإنَّما عنى بوَصْفِها بالغَفلةِ تمثيلَها بالإنسانِ السَّاهي عمَّا يقالُ له؛ إذ كانت لا تَفهَمُ ممَّا يُقالُ لها شيئًا، كما لا يَفهَمُ الغافِلُ عن الشَّيءِ ما غفل عنه، وإنما هذا توبيخٌ من الله لهؤلاء المُشْرِكين؛ لسوءِ رأيِهم، وقُبْحِ اختيارِهم في عبادتِهم مَن لا يَعقِلُ شيئًا ولا يَفهَمُ، وتَرْكِهم عبادةَ مَن جميعُ ما بهم مِن نِعْمَتِه، ومَن به استغاثِتُهم عندما ينزِلُ بهم من الحوائِجِ والمصائِبِ... وإذا جُمِع النَّاسُ يومَ القيامةِ لموقِفِ الحِسابِ، كانت هذه الآلهةُ التي يَدْعُونها في الدُّنيا لهم أعداءً؛ لأنَّهم يتبَرَّؤون منهم... وكانت آلهتُهم التي يَعبُدونها في الدُّنيا بعبادتِهم جاحِدين؛ لأنَّهم يقولون يومَ القيامةِ: ما أمَرْناهم بعبادَتِنا، ولا شَعَرْنا بعبادتِهم إيَّانا، تبَرَّأْنا إليك منهم يا رَبَّنا) .
وقال السيوطيُّ في قولِ اللهِ تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] : (لا تعبُدْ إلَّا إيَّاه ولا تَدْعُ إلا هو، ولا تستَعِنْ إلَّا به؛ فإنَّه لا مانِعَ ولا معطيَ ولا ضارَّ ولا نافِعَ إلَّا هو سُبحانَه وتعالى) .
وعن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سمعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ على المنبَرِ: ((إنَّ الدُّعاءَ هو العبادةُ، ثمَّ قرأ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60] )) .
قال ابنُ المَلك: (الدُّعاءُ هو العِبادةُ"؛ لأنَّ المقصودَ الأعظَمَ من العبادةِ: الإقبالُ عليه تعالى، والإعراضُ عمَّا سِواه، بحيث لا يُرجَى ولا يُخافُ إلَّا إيَّاه، والدُّعاءُ لا ينفَكُّ عن هذه المعاني، فجَعَلَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ نَفْسَ العبادةِ) .
وقال الصَّنعاني: (قَولُه في حديثِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ: «الدُّعاءُ هو العِبادةُ»؛ وذلك لأنَّ العبادةَ هي غايةُ الخُضوعِ والتذَلُّلِ لله تعالى، وفي الدُّعاءِ الخُضوعُ والتذَلُّلُ، فهو العبادةُ) .
وقال عبدُ اللهِ أبا بطين: (دعاءُ الأمواتِ والغائبين وطَلَبُ الحاجاتِ منهم: مِن الشِّركِ الذي حَرَّمه اللهُ ورَسولُه، يدخُلُ في ذلك الملائكةُ والأنبياءُ والصَّالحون وغيرُهم؛ لأنَّ ذلك عبادةٌ، وهي محْضُ حَقِّ اللهِ) .
فدُعاءُ اللهِ وَحْدَه إيمانٌ وتوحيدٌ، ودعاءُ غَيرِه كُفرٌ وتنديدٌ، فمن استغاث بغيرِ الله تعالى فقد اتَّخَذ مع الله نِدًّا، وقد قال تعالى في حالِ من أشرك وجعل لله أندادًا لِيُضِلَّ عن سبيلِه: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [الزمر: 8] ، فكَفَّره تعالى باتخاذِ الأندادِ، وهم الشُّرَكاء في العبادةِ .
قال ابنُ كثيرٍ: (قوله: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ أي: عند الحاجةِ يَضرَعُ ويَستغيثُ باللهِ وَحْدَه لا شَريكَ له، كما قال تعالى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا [الإسراء: 67] ؛ ولهذا قال: ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ أي: في حالِ الرَّفاهيَةِ ينسى ذلك الدُّعاءَ والتضَرُّعَ، كما قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس: 12] ، وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِه أي: في حالِ العافيةِ يُشرِكُ باللهِ، ويَجعَلُ له أندادًا. قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ أي: قُلْ لِمن هذه حالُه وطريقتُه ومَسْلَكُه: تمتَّعْ بكُفْرِك قليلًا، وهذا تهديدٌ شديدٌ، ووعيدٌ أكيدٌ) .
وإذا كان الدُّعاءُ عِبادةً فصَرْفُها لغيرِ الله تعالى كُفرٌ ، وقد تقدَّم أنَّ الشِّركَ الأكبَرَ هو صَرْفُ نوعٍ أو فَردٍ مِن العبادةِ لغيرِ اللهِ تعالى .
قال مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ: (ومن أنواعِ العبادةِ الدُّعاءُ، كما كان المؤمنون يَدْعون اللهَ وَحْدَه ليلًا ونهارًا في الشِّدَّةِ والرَّخاءِ، لا يَشُكُّ أحَدٌ أنَّ هذا من أنواعِ العبادةِ، فتفكَّرْ -رحمك اللهُ- فيما حدث في النَّاسِ اليَومَ من دعاءِ غَيرِ اللهِ في الشِّدَّةِ والرَّخاءِ، هذا يريدُ سَفَرًا، فيأتي عند قبرٍ أو غيرِه، فيدخُلُ عليه بمالِه، عمَّن ينهَبُه، وهذا تلحَقُه الشِّدَّةُ في البَرِّ أو البحرِ، فيستغيثُ بعبد القادِرِ أو شمسانَ، أو نبيٍّ من الأنبياءِ، أو وَليٍّ من الأولياءِ أن يُنجِيَه من هذه الشِّدَّةِ! فيقال لهذا الجاهِلِ: إن كنتَ تَعرِفُ أنَّ الإلهَ هو المعبودُ، وتَعرِفُ أنَّ الدُّعاءَ من العبادةِ، فكيف تدعو مخلوقًا ميِّتًا عاجزًا، وتترُكُ الحَيَّ القيُّومَ الحاضِرَ الرَّؤوفَ الرَّحيمَ القديرَ؟!) .
وجاء في كتابِ (التَّوضيح عن توحيد الخلاق): (والدَّاعي غيرَ اللهِ فيما لا يَقدِرُ عليه غيرُه سُبحانَه وتعالى: جاعِلٌ لله نِدًّا من خَلْقِه فيما يستحِقُّه تعالى من الأُلوهيَّةِ المقتَضِيةِ للرَّهبةِ والرَّغبةِ، والاستعاذةِ، وذلك كُفرٌ بإجماعِ الأمَّةِ؛ لأنَّ اللهَ سُبحانَه هو المستَحِقُّ للعبادةِ لذاتِه؛ فإنَّه المألوهُ المعبودُ الذي تألهُه القلوبُ بالرَّغبةِ لديه، والفَزَعِ عند الشَّدائِدِ إليه، وما سِواه فهو مفتَقِرٌ بالعبوديَّةِ مقهورٌ بها، فكيف يَصلُحُ أن يكونَ إلهًا مرغوبًا مرهوبًا مدعوًّا؟!) .
وقال عبدُ الرَّحمن بن حَسَن آل الشَّيخِ: (إنَّ الاستِمدادَ بالأمواتِ والغائبين هو الشِّركُ الأكبَرُ الذي لا يغفِرُه اللهُ؛ فإنَّ الاستمدادَ عِبادةٌ، والعبادةُ لا يجوزُ أن يُصرَفَ منها شيءٌ لغيرِ اللهِ، وذلك أنَّ الاستمدادَ نتيجتُه الاعتمادُ، والاعتمادُ هو معنى التَّوكُّلِ الذي هو من خصائِصِ الإلِهيَّةِ وأجمَعِها لأعمالِ القُلوبِ... إنَّ مَورِدَ العبادةِ القَلْبُ واللِّسانُ والأركانُ، والمستمِدُّ لا يكونُ إلَّا داعيًا وراغبًا وراهبًا، وخاشعًا ومتذَلِّلًا، ومُستعينًا؛ فإنَّ الاستمدادَ طَلَبُ المدَدِ بالقَلْبِ واللِّسانِ والأركانِ ولا بُدَّ، وهذه الأعمالُ هي أنواعُ العبادةِ، فإذا كانت للهِ وَحْدَه، فقد ألَّهَه العَبدُ، فإذا صُرِفَ لغيرِ الله تعالى صار مألوهًا له) .
وقال عبدُ اللهِ أبا بطين: (فمـن صَرَف لغيرِ اللهِ شَيئًا من أنواعِ العبادة المتقَدِّمِ تعريفُها؛ كالحُبِّ والتعظيمِ، والخَوفِ والرَّجاءِ، والدُّعاءِ والتَّوكلِ، والذَّبحِ والنَّذْرِ، وغَيرِ ذلك- فقد عَبَد ذلك الغيرَ واتَّخَذه إلهًا، وأشركَه مع اللهِ في خالِصِ حَقِّه، وإن فَرَّ مِـن تسميةِ فِعْلِه ذلك تألُّهًا وعبادةً وشِركًا، ومعلومٌ عند كُلِّ عاقلٍ أنَّ حقائِقَ الأشياءِ لا تتغَيَّرُ بتغَيُّرِ أسمائها، ... فالشِّركُ إنَّما حُرِّم لقُبْحِه في نَفْسِه، وكونِه متضَمِّنًا مَسَبَّةً للرَّبِّ، وتنقُّصَه وتشبيهَه بالمخلوقين، فلا تزولُ هذه المفاسِدُ بتغييرِ اسمِه، كتسميتِه توَسُّلًا وتشَفُّعًا وتعظيـمًا للصَّالحين، وتوقيرًا لهم، ونحوَ ذلك، فالمُشْرِكُ مُشْرِكٌ، شاء أم أبى) .
2- سَمَّى اللهُ تعالى دعاءَ غَيرِه شِركًا وكُفرًا، وقد جاء هذا في آياتٍ كثيرةٍ؛ منها قَولُه تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ [الأنعام: 40- 41] .
قال السَّعديُّ: (أي: إذا حَصَلَت هذه المشقَّاتُ وهذه الكُروبُ التي يُضطَرُّ إلى دَفْعِها، هل تَدْعون آلهتَكم وأصنامَكم، أم تَدْعون ربَّكم الملِكَ الحَقَّ المُبينَ؟ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ، فإذا كانت هذه حالَكم مع أندادِكم عند الشَّدائدِ، تَنْسَونَهم؛ لعِلْمِكم أنَّهم لا يَملِكون لكم ضرًّا ولا نفعًا، ولا مَوتًا ولا حياةً ولا نُشورًا، وتُخلِصون للهِ الدُّعاءَ؛ لعِلْمِكم أنَّه هو النَّافِعُ الضَّارُّ، المجيبُ لدَعوةِ المضطَرِّ، فما بالُكم في الرَّخاءِ تُشْرِكون به، وتجعلون له شُرَكاءَ؟! هل دلَّكم على ذلك عَقلٌ أو نَقلٌ، أم عِندَكم من سُلطانٍ بهذا؟! بل تَفْتَرون على اللهِ الكَذِبَ) .
وقوله سُبحانَه وتعالى: قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام: 63- 64] .
قال ابنُ كثير: (يقولُ تعالى ممتَنًّا على عبادِه في إنجائِه المضْطَرِّين منهم مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي: الحائِرين الواقعينَ في المهامِهِ البَرِّية، وفي اللُّجَجِ البَحريَّة إذا هاجت الرِّيحُ العاصفةُ، فحينَئذٍ يُفرِدونَ الدُّعاءَ له وَحْدَه لا شَريكَ له، ... تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً أي: جَهرًا وسِرًّا لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ أي: من هذه الضَّائقةِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ أي: بَعْدَها، قال اللهُ تعالى: قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ أي: بَعْدَ ذلك تُشرِكُونَ أي: تَدْعونَ معه في حالِ الرَّفاهيةِ آلهةً أُخرى) .
وقوله عَزَّ وجَلَّ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ [الأعراف: 37] .
قال الشَّوكانيُّ: (الاستفهامُ في قَولِه: أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ للتَّقريعِ والتَّوبيخِ، أي: أين الآلهةُ التي كنتُم تَدْعونَها من دونِ اللهِ وتَعْبُدونَها؟ وجملةُ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا استئنافيَّةٌ بتقديرِ سؤالٍ وَقَعت هي جوابًا عنه، أي: ذَهَبوا عنَّا وغابوا فلا ندري أين هم؟ وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ أي: أقَرُّوا بالكُفْرِ على أنفُسِهم) .
وقَولُه تبارك وتعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [النمل: 53- 54] .
قال البغوي: (قَولُه تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، أي: وما يكُنْ بكم من نعمةٍ فمِن اللهِ، ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ القَحْطُ والمَرَضُ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ تَضِجُّون وتَصيحون بالدُّعاءِ والاستغاثةِ) .
وقَولُه تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [العنكبوت: 65- 66] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: فإذا ركِبَ هؤلاء المُشْرِكون السَّفينةَ في البحرِ، فخافوا الغَرَقَ والهَلاكَ فيه دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يقولُ: أخلَصوا لله عند الشِّدَّةِ التي نزلت بهم التَّوحيدَ، وأفرَدوا له الطَّاعةَ، وأذعنوا له بالعبوديَّةِ، ولم يَستغيثوا بآلهتِهم وأندادِهم، ولكِنْ باللهِ الذي خلَقَهم فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ يقولُ: فلَمَّا خَلَّصهم ممَّا كانوا فيه وسَلَّمهم، فصاروا إلى البَرِّ، إذا هم يجعَلون مع الله شريكًا في عبادتِهم، ويَدْعُونَ الآلهةَ والأوثانَ معه أربابًا!) .
وقوله سُبحانَه: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [الروم: آية 35].
قال السَّعديُّ: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ مَرَضٌ أو خوفٌ مِن هلاكٍ ونحوِه دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ونَسُوا ما كانوا به يُشرِكُون في تلك الحالِ؛ لعِلْمِهم أنَّه لا يكشِفُ الضُّرَّ إلَّا اللهُ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً شفاهم من مَرَضِهم، وآمَنَهم من خَوْفِهم إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ ينقُضون تلك الإنابةَ التي صدرت منهم ويُشرِكُون به مَن لا دَفَعَ عنهم ولا أغنى، ولا أفقَرَ ولا أغنى، وكُلُّ هذا كُفرٌ بما آتاهم اللهُ ومَنَّ به عليهم حيث أنجاهم وأنقَذَهم من الشِّدَّةِ، وأزال عنهم المشقَّةَ، فهلا قابلوا هذه النِّعمةَ الجليلةَ بالشُّكرِ والدَّوامِ على الإخلاصِ له في جميعِ الأحوالِ؟) .
وقَولُه عَزَّ وجَلَّ: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 13- 14].
قال السمعاني: (قَولُه تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ يعني: إن تَدْعوا الأصنامَ لا يَسْمَعوا دعاءَكم. وقَولُه: وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ أي: ما أجابوكم. وقَولُه: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ أي: يَجحَدون بشِرْكِكم ومُوالاتِكم إيَّاهم) .
وقال ابنُ الجوزي: (قَولُه تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ لأنَّهم جمادٌ وَلَوْ سَمِعُوا بأن يخلُقَ اللهُ لهم أسماعًا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ أي: لم يكُنْ عِندَهم إجابةٌ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ أي: يتبَرَّؤون من عبادتِكم) .
وقَولُه تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [الزمر: 8] .
قال الشَّوكانيُّ: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ أيَّ ضُرٍّ كان؛ مِن مَرَضٍ أو فَقرٍ أو خَوفٍ، دعا ربَّه منيبًا إليه أي: راجِعًا إليه مستغيثًا به في دَفْعِ ما نزل به تاركًا لِما كان يدعوه، ويستغيثُ به؛ من مَيِّتٍ أو حيٍّ، أو صَنَمٍ أو غيرِ ذلك ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ، أي: أعطاه ومَلَّكه، يقالُ: خَوَّله الشَّيءَ: أي: مَلَّكه إيَّاه،... نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ أي: نَسِيَ الضُّرَّ الذي كان يدعو اللهَ إلى كَشْفِه عنه مِن قَبْلِ أن يخَوِّلَه ما خَوَّله، وقيل: نَسِيَ الدُّعاءَ الذي كان يتضَرَّع به وتركَه، أو نَسِيَ رَبَّه الذي كان يدعوه ويتضَرَّعُ إليه، ثمَّ جاوز ذلك إلى الشِّركِ باللهِ، وهو معنى قَولِه: وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا أي: شُرَكاءَ مِن الأصنامِ أو غيرِها، يستغيثُ بها ويَعبُدُها؛ ليُضِلَّ عن سبيلِه، أي: ليُضِلَّ النَّاسَ عن طريقِ اللهِ، التي هي الإسلامُ والتَّوحيدُ) .
3- أنَّ دُعاءَ المخلوقِ وقَصْدَه هو تشبيهٌ للمَخلوقِ الضَّعيفِ العاجِزِ بالخالِقِ القويِّ القادِرِ؛ إذ الدُّعاءُ حَقٌّ خالِصٌ لله وَحْدَه لا شَريكَ له، فمن دعا غيرَ اللهِ فقد تنقَّص الرَّبَّ جَلَّ وعلا، ووقع في أعظَمِ الظُّلمِ وأشنَعِه، كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] .
قال السمعانيُّ: (قَولُه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ الظُّلمُ هو وَضْعُ الشَّيءِ في غيرِ مَوضِعِه؛ مَن أشرَكَ مع اللهِ غَيْرَه فقد وَضَع الشَّيءَ في غير مَوضِعِه) .
وقال ابنُ كثيرٍ: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ أي: هو أعظَمُ الظُّلمِ) .
وقال ابنُ أبي العزِّ: (أظلَمُ الظُّلمِ على الإطلاقِ الشِّرْكُ، وأعدَلُ العَدْلِ التَّوحيدُ) .
وقال السَّعديُّ: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ووَجْهُ كَونهِ عظيمًا: أنَّه لا أفظَعَ وأبشَعَ مِمَّن سَوَّى المخلوقَ من ترابٍ، بمالكِ الرِّقابِ، وسَوَّى الذي لا يملِكُ من الأمرِ شيئًا، بمن له الأمرُ كُلُّه، وسَوَّى النَّاقِصَ الفقيرَ من جميعِ الوُجوهِ، بالرَّبِّ الكامِلِ الغنيِّ من جميعِ الوُجوهِ، وسَوَّى من لم يُنعِمْ بمثقالِ ذَرَّةٍ مِنَ النِّعَمِ، بالذي ما بالخَلْقِ مِن نعمةٍ في دينِهم ودُنياهم وأُخْراهم وقُلوبِهم وأبدانِهم إلَّا منه، ولا يَصرِفُ السُّوءَ إلَّا هو، فهل أعظَمُ من هذا الظُّلمِ شَيءٌ؟! وهل أعظَمُ ظُلمًا مِمَّن خَلَقَه اللهُ لعبادتِه وتوحيدِه، فذَهَب بنَفْسِه الشَّريفةِ فجَعَلَها في أخَسِّ المراتِبِ؛ جعَلَها عابدةً لِمن لا يَسوى شيئًا، فظَلَم نَفْسَه ظُلمًا كبيرًا) .
وأيضًا فمَن سأل مخلوقًا ما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ، فهو من جِنسِ مُشْرِكي العَرَبِ الذين يَدْعون الملائكةَ والأنبياءَ والتماثيلَ، ومِن جِنسِ سُؤالِ النَّصارى للمسيحِ وأمِّه.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (إنْ أثبتُّم وسائِطَ بين اللهِ وبين خَلْقِه، كالحُجَّابِ الذين بين المَلِكِ ورَعِيَّتِه، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائِجَ خَلْقِه، فالله إنَّما يهدي عبادَه ويرزُقُهم بتوسُّطِهم، فالخَلْقُ يسألونهم، وهم يسألون اللهَ، كما أنَّ الوسائِطَ عند الملوكِ يسألون الملوكَ الحوائِجَ للنَّاسِ؛ لقُربِهم منهم، والنَّاسُ يسألونهم أدبًا منهم أن يباشِروا سُؤالَ المَلِك، أو لأنَّ طَلَبَهم من الوسائطِ أنفَعُ لهم من طَلَبِهم من الملِكِ؛ لكَونِهم أقرَبَ إلى الملِكِ مِن الطَّالبِ للحوائجِ، فمن أثبتهم وسائِطَ على هذا الوَجهِ، فهو كافِرٌ مُشْرِكٌ، يجب أن يُستتابَ، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ، وهؤلاء مُشَبِّهون لله، شَبَّهوا المخلوقَ بالخالِقِ، وجعلوا لله أندادًا) .
وقال أيضًا: (من أثبت وسائِطَ بين الله وبين خَلْقِه، كالوسائطِ التي تكونُ بين الملوكِ والرعِيَّةِ، فهو مُشْرِكٌ، بل هذا دينُ المُشْرِكين عُبَّادِ الأوثانِ؛ كانوا يقولون: إنَّها تماثيلُ الأنبياءِ والصَّالحين، وإنَّها وسائِلُ يتقَرَّبون بها إلى اللهِ، وهو من الشِّركِ الذي أنكره اللهُ على النصارى) .
وقال: (والعَجَبُ من ذي عَقلٍ سَليمٍ يستوحي من هو ميِّتٌ، ويستغيثُ به، ولا يستغيثُ بالحيِّ الذي لا يموتُ! فيقولُ أحَدُهم: إذا كانت لك حاجةٌ إلى مَلِكٍ توسَّلْتَ إليه بأعوانِه، فهكذا يتوسَّلُ إليه بالشُّيوخِ. وهذا كلامُ أهلِ الشِّركِ والضَّلالِ؛ فإنَّ الملِكَ لا يعلَمُ حوائِجَ رَعِيَّتِه، ولا يقدِرُ على قَضائِها وَحْدَه، ولا يريدُ ذلك إلَّا لغَرَضٍ يحصُلُ له بسَبَبِ ذلك، واللهُ أعلَمُ بكُلِّ شَيءٍ، يعلَمُ السَّرَّ وأخفى، وهو على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، فالأسبابُ منه وإليه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ أيضًا: (أمَّا من يأتي إلى قبرِ نبيٍّ أو صالحٍ، أو من يعتقِدُ فيه أنَّه قبرُ نبيٍّ أو رجلٍ صالحٍ، وليس كذلك، ويسألُه ويستنجِدُه... يسألُه حاجَتَه؛ مِثلُ أن يسألَه أن يزيلَ مَرَضَه، أو مَرَضَ دوابِّه، أو يقضيَ دَينَه، أو ينتَقِمَ له من عَدُوِّه، أو يعافيَ نَفْسَه وأهْلَه ودوابَّه، ونحوَ ذلك مما لا يقدِرُ عليه إلَّا اللهُ عَزَّ وجَلَّ، فهذا شِركٌ صريحٌ، يجِبُ أن يستتابَ صاحِبُه، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ، وإن قال: أنا أسألُه؛ لكَونِه أقرَبَ إلى اللهِ منِّي لِيَشفَعَ لي في هذه الأمورِ؛ لأني أتوسَّلُ إلى اللهِ به كما يُتوسَّلُ إلى السُّلطانِ بخواصِّه وأعوانِه، فهذا من أفعالِ المُشْرِكين والنصارى، فإنَّهم يزعُمون أنَّهم يتَّخِذون أحبارَهم ورُهبانَهم شُفَعاءَ، يَستشفِعون بهم في مطالِبِهم، وكذلك أخبَرَ اللهُ عن المُشْرِكين أنَّهم قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: 3] ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (حقيقةُ الشِّركِ هو التشَبُّهُ بالخالِقِ، وتشبيهُ المخلوقِ به، هذا هو التشبيهُ في الحقيقةِ، لا إثباتُ صِفاتِ الكَمالِ التي وصف اللهُ بها نَفْسَه، ووصفه بها رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فعَكْسُ من نكَسَ اللهُ قَلْبَه، وأعمى بصيرتَه، وأركَسَه بكَسْبِه، وجَعَل التَّوحيدَ تشبيهًا، والتشبيهَ تعظيمًا وطاعةً! فالمُشْرِكُ مُشَبِّهٌ للمخلوقِ بالخالِقِ في خصائِصِ الإلِهيَّةِ؛ فإنَّ من خصائِصِ الإلِهيَّة التفَرُّدَ بمِلْكِ الضُّرِّ والنَّفعِ، والعَطاءِ والمنعِ، وذلك يوجِبُ تعليقَ الدُّعاءِ والخَوفِ والرَّجاءِ والتَّوكُّلِ به وَحْدَه، فمن عَلَّق ذلك بمخلوقٍ فقد شَبَّهه بالخالِقِ ... ومن خصائِصِ الإلِهيَّةِ: الكمالُ المطْلَقُ من جميعِ الوُجوهِ، الذي لا نَقْصَ فيه بوجهٍ من الوجوهِ، وذلك يوجـِبُ أن تكونَ العبادةُ كُلُّها له وَحْدَه، والتعظيمُ والإجلالُ، والخشيةُ والدُّعاءُ والرَّجاءُ، والإنابةُ والتَّوبةُ، والتَّوكلُ والاستعانةُ، وغايةُ الذُّلِّ مع غايةِ الحُبِّ؛ كُلُّ ذلك يجب عقلًا وشرعًا وفِطرةً أن يكونَ له وَحْدَه، ويُمنَعُ عقلًا وشرعًا وفطرةً أن يكونَ لغيرِه، فمن جعل شيئًا من ذلك لغيرِه، فقد شَبَّه ذلك الغيرَ بمن لا شبيهَ له، ولا مثيلَ، ولا نِدَّ له، وذلك أقبحُ التشبيهِ وأبطلُه، ولشِدَّةِ قُبحِه وتضَمُّنِه غايةَ الظُّلمِ أخبر سُبحانَه عبادَه أنَّه لا يَغفِرُه، مع أنَّه كَتَب على نَفْسِه الرَّحمةَ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ أيضًا: (المشَبِّهةُ هم الذين يُشَبِّهون المخلوقَ بالخالِقِ في العبادةِ، والتعظيمِ والخضوعِ، والحَلِفِ به، والنَّذرِ له، والسُّجودِ له، والعكوفِ عند بيتِه، وحَلْقِ الرَّأسِ له، والاستغاثةِ به... فهؤلاء هم المشَبِّهةُ حَقًّا) .
وقال أيضًا: (فأمَّا القادِرُ على كُلِّ شَيءٍ، الغَنيُّ عن كُلِّ شَيءٍ، الرَّحمنُ الرَّحيمُ، الذي وَسِعَت رحمتُه كُلَّ شيءٍ، فإدخالُ الوسائِطِ بينه وبين خَلْقِه نَقصٌ بحَقِّ ربوبيَّتِه وإلهيَّتِه وتوحيدِه، وظَنٌّ به ظَنَّ سَوءٍ، وهذا يستحيلُ أن يَشرَعَه لعِبادِه، ويمتَنِعُ في العقولِ والفِطَرِ جوازُه، وقُبحُه مُستقِرٌّ في الفِطَرِ السَّليمةِ فوق كُلِّ قبيحٍ، يوضِّحُ هذا أنَّ العابِدَ مُعَظِّمٌ لمعبودِه، متألِّهٌ خاضِعٌ، ذليلٌ له، والرَّبُّ تعالى وَحْدَه هو الذي يستحِقُّ كمالَ التعظيمِ والجلالِ والتألُّهِ، والخُضوعِ والذُّلِّ، وهذا خالِصُ حَقِّه، فمِن أقبَحِ الظُّلمِ أن يُعطى حَقُّه لغيرِه، أو يُشرَكَ بينه وبينه فيه) .
4- أجمع أهلُ العِلْمِ على أنَّ من دعا غيرَ اللهِ، أو استغاث به فيما لا يقدِرُ عليه إلَّا اللهُ تعالى؛ فهو كافِرٌ خارِجٌ مِن الملَّةِ الإسلاميَّةِ.
قال ابنُ عَقيلٍ: (لَمَّا صَعُبت التكاليفُ على الجُهَّالِ والطَّغامِ، عَدَلوا عن أوضاعِ الشَّرعِ إلى تعظيمِ أوضاعٍ وَضَعوها لأنفُسِهم، فسَهُلَت عليهم؛ إذ لم يدخُلوا بها تحت أمرِ غَيرِهم، قال: وهم كُفَّارٌ عندي بهذه الأوضاعِ؛ مثلُ: تعظيمِ القُبورِ وإكرامِها بما نهى الشَّرعُ عنه؛ من إيقادِ النِّيرانِ وتقبيلِها وتخليقِها، وخطابِ الموتى بالحوائِجِ، وكَتْبِ الرِّقاعِ فيها: يا مولاي افعَلْ بي كذا وكذا، وأخْذِ تُربتِها تبَرُّكًا) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (فمن جَعَل الملائكةَ والأنبياءَ وسائِطَ يَدْعوهم، ويتوكَّلُ عليهم، ويسألُهم جَلْبَ المنافعِ، ودَفْعَ المضارِّ، مِثلُ أن يسألَهم غُفرانَ الذُّنوبِ، وهدايةَ القُلوبِ، وتفريجَ الكُروبِ، وسَدَّ الفاقاتِ؛ فهو كافِرٌ بإجماعِ المُسلِمين) .
وقال سُلَيمانُ بنُ عبدِ اللهِ آل الشَّيخ: (وهو إجماعٌ صحيحٌ، معلومٌ بالضَّرورةِ من الدِّينِ، وقد نصَّ العُلَماءُ من أهلِ المذاهِبِ الأربعةِ وغيرِهم، في بابِ حُكمِ المرتدِّ: على أنَّ مَن أشرَكَ باللهِ، فهو كافِرٌ، أي: عَبَد مع اللهِ غَيْرَه بنوعٍ مِن أنواعِ العِباداتِ) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (سؤالُ الميِّتِ والغائِبِ، نبيًّا كان أو غيرَه: من المُحَرَّماتِ المُنكَرةِ باتِّفاقِ أئمَّةِ المُسلِمين، لم يأمُرِ اللهُ به ولا رسولُه، ولا فَعَله أحدٌ من الصَّحابةِ ولا التَّابعين لهم بإحسانٍ، ولا استحَبَّه أحدٌ من أئمَّةِ المُسلِمـين، وهذا ممَّا يُعلَمُ بالاضطرارِ مِن دين المُسلِمين أنَّ أحدًا منهم كان يقولُ إذا نزلت به تِرَةٌ تَبِعةٌ، أو عَرَضَت له حاجةٌ لميِّتٍ: يا سيِّدي فُلان، أنا في حَسْبِك، أو اقْضِ حاجتي، كما يقولُ بعضُ هؤلاء المُشْرِكين لمن يَدْعُونهم من الموتى والغائبين، ولا أحَدٌ مِن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم استغاث بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد موتِه، ولا بغيرِه من الأنبياءِ، لا عند قبورِهم، ولا إذا بَعُدوا عنها) .
وقال: (وأمَّا دُعاءُ صِفاتِه صفاتِ اللهِ تعالى وكَلِماتِه، فكُفرٌ باتِّفاقِ المُسلِمين؛ فهل يقولُ مُسلِمٌ: يا كلامَ اللهِ اغفِرْ لي وارحَمْني، وأغِثْني، أو أعِنِّي، أو يا عِلْمَ اللهِ، أو يا قُدرةَ اللهِ، أو يا عِزَّةَ اللهِ، أو يا عَظَمةَ اللهِ، ونحوَ ذلك؟!) .
وقال أيضًا: (إنَّ دُعاءَ غيرِ اللهِ كُفرٌ؛ ولهذا لم يُنقَلْ دُعاءُ أحَدٍ مِن الموتى والغائبين، لا الأنبياءِ ولا غيرِهم، عن أحَدٍ من السَّلَف وأئمَّةِ العِلمِ، وإنَّما ذكره بعضُ المتأخِّرين ممَّن ليس من أئمَّةِ العِلْمِ المجتَهِدين) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (فكُلُّ من غلا في حيٍّ، أو في رجُلٍ صالحٍ... وجَعَل فيه نوعًا من الإلِهيَّة، مِثلُ أن يقولَ:كُلُّ رِزقٍ لا يَرزُقُنيه الشَّيخُ فلانٌ، ما أريدُه، أو يقولُ إذا ذَبَحَ شاةً: باسْمِ سَيِّدي، أو يَعبُدُه بالسُّجودِ له أو لغيرِه أو يدعوه من دونِ اللهِ تعالى؛ مثلُ أن يقولَ: يا سَيِّدي فلان، اغفِرْ لي، أو ارحَمْني، أو انصُرْني، أو ارزُقْني، أو أغِثْني، أو أجِرْني، أو توكَّلتُ عليك، أو أنت حَسْبي، أو أنا في حَسْبِك، أو نحو هذه الأقوالِ والأفعالِ التي هي من خصائِصِ الرُّبوبيَّةِ التي لا تصلُحُ إلَّا لله تعالى، فكُلُّ هذا شِرْكٌ وضَلالٌ يُستتابُ صاحِبُه، فإن تاب وإلَّا قُتِل، فإنَّ اللهَ إنَّما أرسل الرُّسُلَ، وأنزل الكُتُبَ لنَعبُدَ الله وَحْدَه لا شريكَ له، ولا نجعَلَ مع اللهِ إلهًا آخَرَ) .
وقال أيضًا: (فإنَّا بعد معرفةِ ما جاء به الرَّسولُ نعلَمُ بالضَّرورةِ أنَّه لم يَشرَعْ لأمَّتِه أن تدعوَ أحدًا من الأمواتِ؛ لا الأنبياءَ، ولا الصَّالحين، ولا غيرَهم، لا بلَفْظِ الاستغاثةِ ولا بغيرِها، ولا بلَفْظِ الاستعاذةِ ولا بغيرِها، كما أنَّه لم يَشرَعْ لأمَّتِه السُّجودَ لِمَيِّتٍ ولا لغيرِ مَيِّتٍ، ونحو ذلك، بل نعلَمُ أنَّه نهى عن كُلِّ هذه الأمورِ، وأنَّ ذلك من الشِّركِ الذي حَرَّمه اللهُ تعالى ورسولُه، ولكِنْ لغَلَبةِ الجَهْلِ، وقِلَّةِ العِلْمِ بآثارِ الرِّسالةِ في كثيرٍ مِن المتأخِّرين، لم يمكِنْ تكفيرُهم بذلك حتى يتبيَّنَ لهم ما جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ممَّا يخالِفُه؛ ولهذا ما بَيَّنْتُ هذه المسألةَ قَطُّ لِمن يعرِفُ أصلَ الإسلامِ إلَّا تفطَّنَ وقال: هذا أصلُ دينِ الإسلامِ) .
وقال ابنُ عبد الهادي: (ولو جاء إنسانٌ إلى سريرِ الميِّتِ يدعوه من دونِ اللهِ ويستغيثُ به، كان هذا شِرْكًا مُحَرَّمًا بإجماعِ المُسلِمين) .
وقال الصَّنعاني: (من نادى اللهَ ليلًا ونهارًا، وسرًّا وجِهارًا، وخَوفًا وطمعًا، ثم نادى معه غيرَه؛ فقد أشرك في العبادةِ؛ فإنَّ الدُّعاءَ من العبادةِ، وقد سمَّاه اللهُ تعالى عبادةً في قَولِه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر، آية 60] بَعْدَ قَولِه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] ) .
وقال حُسَينُ بنُ مَهدي النعمي: (هذه العبادةُ بكيفيَّتِها موضوعةٌ للرَّبِّ الأحَدِ الصَّمَدِ، السَّميعِ القَريبِ المجيبِ، مالِكِ المُلْكِ، والدُّعاءُ هذا مجراه، وهذه منزلتُه، فدعاءُ غيرِ اللهِ تعالى إخراجٌ للدُّعاءِ عن محَلِّه وموضوعِه، كقيامِه بتلك الصَّلاةِ على تلك الكيفيَّةِ للمَقبورِ والحَجَرِ سواءً بسواءٍ، والفصلُ بين الصَّلاةِ والدُّعاءِ فَصلٌ بين متآخِيَينِ، وتفريقٌ بين الفَرقَدَينِ، وإلَّا فلْيَجعَلوا للمقبورَ صلاةً وصيامًا ونحوَهما، يفارِقُ الذَّمَّ والتشريكَ، ويكونُ صالحًا خاليًا عن الفسادِ والمنكَرِ، سُبحانَك رَبَّنا هذا بهتانٌ عظيمٌ! فما بالُ الدُّعاءِ الذي هو العَلَمُ المشهورُ في العبادةِ، وآياتِ التنزيلِ، بل هو في الحقيقةِ بدايةُ الأمرِ ومَشرَعُه، وقُطبُ رَحاه، سُلَّ مِن مَرْكَزِه، واستُنزِلَ مِن شوامِخِ صَياصيه، وهو أظهَرُ وأشهَرُ معنًى من العبادةِ، وأكثَرُ تنصيصًا وتعيينًا!) .
وقال مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ: (فمن دعا غيرَ اللهِ طالبًا منه ما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ مِن جَلْبِ خيرٍ، أو دَفْعِ ضُرٍّ؛ فقد أشرك في عبادةِ اللهِ، كما قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 6-7] ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 14- 15] ، فأخبَرَ تبارك وتعالى أنَّ دُعاءَ غيرِ اللهِ: شِرْكٌ، فمن قال: يا رسولَ اللهِ، أو يا عبدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ، أو يا عبدَ القادِرِ، أو يا محجوبُ، زاعمًا أنَّه يقضي حاجَتَه إلى الله تعالى، أو أنَّه شفيعُه عندَه أو وسيلتُه إليه؛ فهو الشِّركُ الذي يُهدِرُ الدَّمَ ويُبيحُ المالَ، إلَّا أن يتوبَ من ذلك) .
وقال الشَّوكانيُّ: (إخلاصُ التَّوحيدِ لا يتِمُّ إلَّا بأن يكونَ الدُّعاءُ كُلُّه لله، والنِّداءُ والاستغاثةُ والرَّجاءُ، واستِجلابُ الخيرِ واستِدفاعُ الشَّرِّ؛ له ومنه، لا لغيرِه ولا مِن غَيرِه فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18] ، لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ [الرعد: 14] ) .
وقال أيضًا: (فإنَّ الشِّركَ هو دعاءُ غيرِ اللهِ في الأشياءِ التي تختصُّ به، أو اعتقادُ القُدرةِ لغيرِه فيما لا يقدِرُ عليه سِواه، أو التقَرُّبُ إلى غيرِه بشَيءٍ مِمَّا لا يُتقَرَّبُ به إلَّا إليه، ومجرَّدُ تسمية المُشْرِكين لِما جعلوه شريكًا بالصَّنَمِ والوَثَنِ والإلهِ، ليس فيه زيادةٌ على التسميةِ بالوَلِيِّ والقبرِ والمشهَدِ، كما يفعَلُه كثيرٌ من المُسلِمين، بل الحُكمُ واحدٌ إذا حصل لمن يعتَقِدُ في الوَلِيِّ والقبرِ ما كان يحصُلُ لِمن كان يعتَقِدُ في الصَّنَمِ والوَثَنِ؛ إذ ليس الشِّركُ هو بمجَرَّدِ إطلاقِ بعض الأسماءِ على بعضِ المسَمَّياتِ، بل الشِّركُ هو أن يَفعَلَ لغيرِ اللهِ شيئًا يختَصُّ به سُبحانَه وتعالى، سواءٌ أَطلَقَ على ذلك الغيرِ ما كان تُطلِقُه عليه الجاهِليَّةُ، أو أطلَقَ عليه اسمًا آخَرَ؛ فلا اعتبارَ بالاسمِ قَطُّ) .
وقال حَمَدُ بنُ ناصرِ بنِ مَعْمَرٍ: (لا نعلَمُ نوعًا من أنواعِ الكُفْر والرِّدَّةِ، ورد فيه من النُّصوصِ مِثلُ ما ورد في دعاءِ غَيرِ اللهِ بالنَّهيِ عنه والتحذيرِ مِن فِعْلِه والوعيدِ عليه) .
وقال عبدُ اللَّطيفِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ آل الشَّيخ: (من المستحيلِ شَرْعًا وفِطرةً وعَقلًا أن تأتيَ هذه الشَّريعةُ المطَهَّرةُ الكامِلةُ بإباحةِ دُعاءِ الموتى والغائبينَ، والاستغاثةِ بهم في المهِمَّاتِ والملِمَّاتِ) .
وقال أيضًا: (الأدِلَّةُ والنُّصوصُ متواترةٌ مُتظاهِرةٌ على أنَّ طَلَبَ الحوائجِ من الموتى والتَّوجُّهَ إليهم: شِرْكٌ مُحَرَّمٌ، وأنَّ فاعِلَه مِن أسفَهِ السُّفَهاءِ، وأضَلِّ الخَلْقِ، وأنَّه ممَّن عَدَل برَبِّه، وجعل له أندادًا وشُرَكاءَ في العبادةِ التي لا تصلُحُ لسِواه، ولا تنبغي لغَيرِه) .
وقال مُحَمَّد رشيد رضا: (فمن دعا إلى عبادةِ نَفْسِه، فقد دعا النَّاسَ إلى أن يكونوا عابِدين له من دونِ اللهِ، وإن لم يَنْهَهم عن عبادةِ اللهِ، بل وإنْ أمَرَهم بعبادةِ اللهِ، ومن جَعَل بينه وبين اللهِ واسِطةً في العبادةِ كالدُّعاءِ، فقد عَبَد هذه الواسِطةَ مِن دونِ اللهِ؛ لأنَّ هذه الواسِطةَ تُنافي الإخلاصَ له وَحْدَه، ومتى انتفى الإخلاصُ انتفت العبادةُ؛ ولذلك قال تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [الزمر: 2- 3] ، فلم يمنَعْ توسُّلُهم بالأولياءِ إليه تعالى أن يَقولَ: إنَّهم اتَّخَذوهم من دونِه) .
وقال أيضًا: (ومن النَّاسِ من يُسَمُّون أنفُسَهم مُوَحِّدين، وهم يفعلون مِثلَ ما يفعَلُ جميعُ المُشْرِكين، ولكِنَّهم يُفسِدون في اللُّغةِ كما يُفسِدون في الدِّينِ، فلا يُسَمُّون أعمالَهم هذه عبادةً، وقد يُسَمُّونَها توسُّلًا وشفاعةً، ولا يُسَمُّون من يَدْعونَهم من دونِ اللهِ أو مع الله شُرَكاءَ، ولكِنْ لا يأبَون أن يُسَمُّوهم أولياءَ وشُفَعاءَ، وإنَّما الحِسابُ والجزاءُ على الحقائِقِ لا على الأسماءِ، ولو لم يكُنْ منهم إلَّا دعاءُ غيرِ اللهِ ونِداؤُه لقضاءِ الحاجاتِ، وتفريجِ الكُرُباتِ، لكفى ذلك عبادةً له، وشِرْكًا بالله عَزَّ وجَلَّ... ومن تأمَّل تعبيرَ الكتابِ العزيزِ عن العبادةِ بالدُّعاءِ في أكثَرِ الآياتِ الواردةِ في ذلك، وهي كثيرةٌ جدًّا، يعلَمُ كما يعلَمُ من اختبر أحوالَ البَشَرِ في عباداتِهم أنَّ الدُّعاءَ هو العبادةُ الحقيقيَّةُ الفِطريَّةُ التي يُثيرها الاعتقادُ الرَّاسِخُ من أعماقِ النَّفسِ، ولا سِيَّما عند الشِّدَّةِ) .
وقال عبد الحميد بن باديس: (ذرائِعُ الفَسادِ تُسَدُّ، لا سيَّما ذريعةِ الشِّركِ ودعاءِ غيرِ اللهِ التي تهدِمُ صُروحَ التوحيدِ، وانظُرْ إلى ما جاء في حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ في أصنامِ قَومِ نوحٍ، وكيف كان أصلُ وَضْعِها، وكيف كان مآلُها، وتعالَ إلى الواقِعِ المُشاهَدِ نتحاكَمْ إليه، فإنَّنا نشاهِدُ جماهيرَ العوامِّ يتوجَّهون لأصحابِ القُبورِ ويَسألونهم، ويَنذِرون لهم، ويتمسَّحون بتوابيتِهم، وقد يطوفون بها، ويحصُلُ لهم من الخُشوعِ والابتِهالِ والتضَرُّعِ ما لا يُشاهَدُ منهم إذا كانوا في بيوتِ اللهِ التي لا مقابِرَ فيها!) .
وقال ابنُ باز: (شُبهةُ هؤلاء المتأخِّرين هي شُبهةُ الأوَّلينَ، وهي قَولُهم: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وقد أبطل اللهُ هذه الشُّبهةَ، وبَيَّن أنَّ من عبد غَيرَه كائنًا من كان، فقد أشرَكَ به وكَفَر، كما قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: 18] ، فرَدَّ اللهُ عليهم سُبحانَه بقَولِه: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس: 18] ، فبَيَّن سُبحانَه في هذه الآيةِ أنَّ عبادةَ غيرِه من الأنبياءِ والأولياءِ أو غَيرِهم: هي الشِّركُ الأكبَرُ، وإنْ سَمَّاها فاعِلوها بغيرِ ذلك، وقال تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: 3] ، فرَدَّ اللهُ عليهم سُبحانَه بقَولِه: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر: 3] ، فأبان بذلك سُبحانَه أنَّ عِبادتَهم لغيرِه بالدُّعاءِ والخَوفِ والرَّجاءِ ونحوِ ذلك: كُفرٌ به سُبحانَه، وأكَذَبَهم في قَولِهم: إنَّ آلهتَهم تُقَرِّبُهم إليه زُلفى) .
وقال ابنُ عثيمين: (إنَّ اللهَ يقولُ: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55] ، والدُّعاءُ عِبادةٌ، وإذا كان عبادةً فإنَّ دُعاءَ غيرِ اللهِ يكونُ إشراكًا باللهِ عَزَّ وجَلَّ، وعلى هذا فالذي يَستحِقُّ أن يُدعى ويُعبَدَ ويُرجى هو اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له) .
قال
السمعانيُّ.
8 - إنَّ أعظَمَ ما يؤذي المَلائِكةَ
الكُفْرُ والشِّركُ، والذُّنوبُ والمعاصي؛ لذا فإنَّ المَلائِكةَ.
من واجِبِ المُؤمِنين تُجاهَ المَلائِكةِ: تجَنُّبُ كُلِّ ما من شأنِه أن يُسِيءَ إليهم ويُؤذِيَهم
إنَّ أعظَمَ ما يؤذي المَلائِكةَ الكُفْرُ والشِّركُ، والذُّنوبُ والمعاصي؛ لذا فإنَّ المَلائِكةَ لا تدخُلُ الأماكِنَ والبيوتَ التي يُعصى فيها اللهُ تعالى، أو التي يُوجَدُ فيها ما يَكرَهُه اللهُ ويُبغِضُه؛ كالأنصابِ والتماثيلِ والصُّوَرِ، ولا تَقرَبُ من تَلبَّس بمعصيةٍ، كالسَّكرانِ.
فعن أبي طَلحةَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فيه كَلْبٌ ولَا صُورَةٌ ))
.
وعن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (ثلاثةُ نَفَرٍ لا تَقْرَبُهم الملائِكةُ: الجُنُبُ، والسَّكْرانُ، والمتضَمِّخُ بالخَلُوقِ) .
قال الخطَّابي: (قَولُه: ((لا تدخُلُ المَلائِكةُ بَيتًا)) يريدُ المَلائِكةُ الذين يَنزِلون بالبركةِ والرَّحمةِ دون المَلائِكةِ الذين هم الحَفَظةُ؛ فإنَّهم لا يفارِقونَ الجُنُبَ وغَيرَ الجُنُبِ... وأمَّا الكَلبُ فهو أن يقتَنِيَ كَلبًا ليس لزَرعٍ ولا ضَرعٍ أو صَيدٍ، فأمَّا إذا كان يرتَبِطُه للحاجةِ إليه في بعضِ هذه الأُمورِ، أو لحراسةِ دارِهِ إذا اضطرَّ إليه، فلا حرَجَ عليه.
وأمَّا الصُّورةُ فهي كُلُّ صُورةٍ مِن ذواتِ الأرواحِ كانت لها أشخاصٌ مُنتَصِبةٌ، أو كانت منقوشةً في سَقفٍ أو جدارٍ، أو مصنوعةً في نمطٍ، أو منسوجةً في ثوبٍ، أو ما كان؛ فإنَّ قَضِيَّةَ العُمومِ تأتي عليه، فلْيُجتَنَبْ. وباللهِ التوفيقُ) .
وقال الطِّيبي: (أمَّا امتِناعُهم عن البيتِ الذي فيه الصُّورةُ فلحُرمةِ الصُّورةِ، ومشابهةِ ذلك البيتِ بيوتَ الأصنامِ، وهذا اللفظُ عامٌّ، لكِنْ خُصَّ بما هو منبوذٌ يُوطَأُ ويُداسُ؛ فإنَّ الرُّخصةَ ورَدَت فيه. وأمَّا امتناعُهم عن البيتِ الذي فيه كَلبٌ، فلأنَّه نَجِسٌ... والمَلائِكةُ أشرَفُ خَلقِ اللهِ، وهم المكُرَمون المُمَكَّنون من أعلي مراتبِ الطَّهارةِ، وبينهما تضادٌّ، كما بين النُّورِ والظُّلمةِ، ومن ساوى نَفْسَه بالكلابِ فحقيقٌ أن يَنفِرَ عن بيتِه المَلائِكةُ، واستثنى عن عمومِه كَلْبَ الماشيةِ والزَّرعِ والصَّيدِ؛ لِمَسِيسِ الحاجةِ. وأمَّا امتناعُهم عن البيتِ الذي فيه الجُنُبُ، فلأنَّه ممنوعٌ عن مُعظَمِ العِباداتِ، والمرادُ به الجُنُبُ الذي يتهاوَنُ في الغُسلِ، ويُؤَخِّرُه حتى يمرَّ عليه وَقتُ الصَّلاةِ، ويجعَلُ ذلك دأبًا وعادةً له، فإنَّه مُستَخِفٌّ بالشَّرعِ، مُتساهِلٌ في الدِّينِ، لا أيَّ جنُبٍ كان؛ لِما ثبت من تأخيرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ غُسْلَ الجنابةِ مِن مُوجِبِه زَمانًا، فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يطوفُ على نسائِه بغُسلٍ واحدٍ ، وكان ينامُ باللَّيلِ وهو جُنُبٌ .
وأقولُ: لعَلَّ الاقترانَ في المذكورِ لعِلَّةِ النَّجاسةِ عَينًا أو حُكمًا؛ فإنَّ الشِّركَ نجاسةٌ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ؛ حيث جَعَلوا الأصنامَ شُرَكاءَ للهِ، والمصَوِّرُ يَجعَلُ نَفْسَه شَريكًا للهِ في التصويرِ، ومن امتنع من عبادةِ اللهِ تعالى وتقاعد عنها وتكاسل فيها، فهو مُلحَقٌ بمن عبَدَ غيرَ اللهِ تعالى تغليظًا؛ لأنَّ الخَلْقَ إنما خُلِقوا لعبادةِ اللهِ، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونَ، وقُرِن بالكَلْبِ لخِسَّتِه، وأنَّه مال إلى الطبيعةِ والعالَمِ السُّفليِّ، ولم يرتَفِعْ إلى العالَمِ العُلويِّ ليشابِهَ المَلائِكةَ المقَرَّبينَ، وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) .
وفي روايةٍ عن أبي طَلحةَ مَرفوعًا: ((لا تدخُلُ المَلائِكةُ بيتًا فيه كَلبٌ ولا تماثيلُ )) ، وفي روايةٍ عن أبي هُرَيرةَ قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَصحَبُ المَلائِكةُ رُفقةً فيها كَلبٌ ولا جَرَسٌ )) .
قال أبو العَّباسِ القُرطبيُّ: (و((الجَرَسُ)): ما يُعَلَّقُ في أعناقِ الإبِلِ مِمَّا له صَلْصَلةٌ، والذي يُضرَبُ به... وفيه ما يَدُلُّ على كراهةِ اتخاذِ الأجراسِ في الأسفارِ، وهو قَولُ مالكٍ وغَيرِه. قلتُ: وينبغي ألَّا تُقصَرَ الكراهةُ على الأسفارِ، بل هي مكروهةٌ في الحَضَرِ أيضًا) .
وكذلك تتأذَّى المَلائِكةُ مِمَّا يتأذَّى منه بنو آدمَ مِن الرَّوائحِ الكريهةِ والأقذارِ والأوساخِ.
عن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من أكَلَ البَصَلَ والثُّومَ والكُرَّاثَ، فلا يَقَرَبَنَّ مَسجِدَنا؛ فإنَّ المَلائِكةَ تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منه بنو آدمَ )) .
قال الخطَّابيُّ: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَكرَهُ أن يُوجَدَ منه شَيءٌ من الأطعمةِ والأشرِبَةِ، وكان يتوقَّاها لأجْلِ من يناجي من المَلائِكةِ، وقال: (إنَّ المَلائِكةَ تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منه بنو آدَمَ) ) .
ونهى الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن البُصاقِ عن اليمينِ في أثناءِ الصَّلاةِ؛ لأنَّ المصَلِّيَ إذا قام يصَلِّي يَقِفُ عن يمينِه مَلَكٌ، فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قام أحَدُكم إلى الصَّلاةِ، فلا يَبصُقْ أمامه، فإنما يُناجي اللهَ ما دام في مُصَلَّاه، ولا عن يمينِه؛ فإنَّ عن يمينِه مَلَكًا، ولْيَبصُقْ عن يسارِه، أو تحتَ قَدَمِه فيَدفِنُها )) .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه ((فإنَّ عن يمينِه مَلَكًا)) تقدَّم أنَّ ظاهِرَه اختِصاصُه بحالةِ الصَّلاةِ. فإنْ قلنا: المرادُ بالمَلَكِ الكاتِبُ، فقد استُشكِلَ اختصاصُه بالمنعِ مع أنَّ عن يسارِه مَلَكًا آخَرَ. وأُجيبَ باحتمالِ اختِصاصِ ذلك بمَلَكِ اليَمينِ تشريفًا له وتكريمًا. هكذا قاله جماعةٌ من القُدَماءِ، ولا يخفى ما فيه، وأجاب بعضُ المتأخِّرين بأنَّ الصَّلاةَ أُمُّ الحَسَناتِ البَدَنيَّةِ، فلا دَخْلَ لكاتِبِ السَّيِّئاتِ فيها) .
9 - بالعِبادةِ، وأعظَمُ ما نهى عنه الشِّرْكُ، وهو
دَعوةُ غَيرِه معه، والدَّليلُ قَولُه تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ.=
مَنزِلةُ توحيدِ الأُلوهيَّةِ
1- توحيدُ الأُلوهيَّةِ هو تحقيقٌ لشَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وشَهادةِ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وأوَّلُ واجبٍ هو الشَّهادتانِ.
قال أبو الحارِثِ الصَّائغُ: (سألتُ أبا عبدِ اللهِ أحمدَ بنَ محمَّدِ بنِ حَنبلٍ، قلتُ: إذا قال الرَّجُلُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فهو مؤمِنٌ؟ قال: كذا كان بدءُ الإيمانِ، ثمَّ نزلت الفرائِضُ؛ الصَّلاةُ، والزَّكاةُ، وصَومُ رَمَضانَ، وحَجُّ البيتِ)
.
وقال العَيني: (قال شيخُنا زينُ الدين رحمه الله:... لَمَّا كان إرسالُ مُعاذٍ إلى من يُقِرُّ بالإلهِ والنبُوَّاتِ، وهم أهلُ الكتابِ، أمَرَه بأوَّلِ ما يدعوهم إلى توحيدِ الإلهِ والإقرارِ بنبُوَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإنَّهم وإن كانوا يعترفون بإلهيَّةِ اللهِ تعالى، ولكِنْ يجعلون له شَريكًا؛ لدعوةِ النَّصارى أنَّ المسيحَ ابنُ اللهِ تعالى، ودعوةِ اليهودِ أنَّ عُزَيرًا ابنُ اللهِ -سبحانَه عمَّا يَصِفون- وأنَّ محمَّدًا ليس برَسولِ اللهِ أصلًا، أو أنَّه ليس برسولٍ إليهم، على اختلافِ آرائِهم في الضَّلالةِ؛ فكان هذا أوَّلَ واجِبٍ يُدْعَونَ إليه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (السَّلَفُ والأئمَّةُ متَّفِقونَ على أنَّ أوَّلَ ما يُؤمَرُ به العبادُ الشَّهادتانِ) .
وقال أيضًا: (أصلُ الإسلامِ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، فمن طلَبَ بعباداتِه الرِّياءَ والسُّمعةَ فلم يحقِّقْ شَهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ومَن خرَجَ عمَّا أمَرَه به الرَّسولُ مِن الشَّريعةِ، وتعَبَّد بالبِدْعةِ فلم يحَقِّقْ شَهادةَ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، وإنَّما يُحَقِّقُ هذينِ الأصلَينِ مَن لم يَعبُدْ إلَّا اللهَ، ولم يخرُجْ عن شريعةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التي بلَّغَها عن اللهِ) .
وقال ابنُ باز: (المقصودُ أنَّ رَسولَنا ونبيَّنا محمَّدًا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ دعا إلى ما دَعَت إليه الرُّسُلُ قَبْلَه مِن نوحٍ ومَن بَعْدَه، إلى توحيدِ اللهِ والإخلاصِ له، وتَرْكِ عِبادةِ ما سِواه، هذه أوَّلُ دَعوتِه، وهذه زُبدَتُها، وهي أهَمُّ واجِبٍ وأوَّلُ واجِبٍ، وأعظَمُ واجِبٍ) .
وقال ابنُ عثيمين: (أوَّلُ واجبٍ على الخَلقِ هو أوَّلُ ما يُدعى الخَلْقُ إليه، وقد بَيَّنَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه حين بعَثَه لليَمَنِ، فقال له: ((إنَّك تأتي قومًا أهلَ كِتابٍ، فلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدعُوهُم إليه شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ )) . فهذا أوَّلُ واجِبٍ على العبادِ أن يوحِّدوا اللهَ عزَّ وجَلَّ، وأن يَشهَدوا لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالرِّسالةِ. وبتوحيدِ اللهِ عزَّ وجَلَّ والشَّهادةِ لِرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتحَقَّقُ الإخلاصُ والمتابعةُ اللَّذانِ هما شَرْطٌ لِقَبولِ كُلِّ عِبادةٍ) .
2- توحيدُ الأُلوهيَّةِ يُحَقِّقُ الغايةَ مِن خَلْقِ الإنسانِ، وهي عِبادةُ اللهِ وَحْدَه.
قال اللهُ تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].
وعنِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (إلَّا ليُقِرُّوا بالعُبوديَّةِ طَوعًا وكَرْهًا) .
وعن أبي العَاليةِ قال: (أُسِّسَ الدِّينُ على الإخلاصِ لله وَحْدَه لا شَريكَ له) .
وقال ابنُ عطيةَ: (معنى قَولِه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] أي: لآمُرَهم بالعِبادةِ، وأُوجِبَها عليهم، فعَبَّرَ عن ذلك بثَمَرةِ الأمرِ ومُقتَضاه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّوحيدُ الذي هو أصلُ الإسلامِ، وهو دينُ اللهِ الذي بعَث به جميعَ رُسُلِه، وله خَلَقَ الخَلْقَ، وهو حَقُّه على عِبادِه: أن يَعبُدوه، ولا يُشرِكوا به شَيئًا) .
وقال مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ: (اعلَمْ -أرشَدَك اللهُ لطاعتِه- أنَّ الحنيفيَّةَ مِلَّةَ إبراهيمَ: أن تَعبُدَ اللهَ وَحْدَه مخلِصًا له الدِّينَ، وبذلك أمَرَ اللهُ جميعَ النَّاسِ، وخلَقَهم لها، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] ومعنى يَعْبُدون: يُوَحِّدون. وأعظَمُ ما أمَرَ اللهُ به التَّوحيدُ، وهو إفرادُ اللهِ بالعِبادةِ، وأعظَمُ ما نهى عنه الشِّرْكُ، وهو دَعوةُ غَيرِه معه، والدَّليلُ قَولُه تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء: 36] ) .
وقال ابنُ باز: (إنَّ اللهَ جَلَّ وعلا خلَقَ الخَلْقَ لِيَعبُدوه، وأرْسلَ الرُّسُلَ وأنزَلَ الكُتُبَ لهذه الحِكمةِ العَظيمةِ؛ لدَعوةِ النَّاسِ إلى عِبادةِ اللهِ، وبَيانِها لهم، وإيضاحِها لهم؛ قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 56 - 58]، وقال سُبحانَه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21] ، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ) .
وقال ابنُ عثيمين: (الله سُبحانَه وتعالى خَلَق الجِنَّ والإنسَ لحِكمةٍ عَظيمةٍ وغايةٍ حَميدةٍ، وهي عبادتُه تبارك وتعالى كما قال سُبحانَه وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115] ، وقال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة: 36] ، إلى غيرِ ذلك من الآياتِ الدَّالَّةِ على أنَّ لله تعالى حِكمةً بالِغةً مِن خَلقِ الجِنِّ والإنسِ، وهي عبادتُه، والعِبادةُ هي: "التذَلُّلُ لله عزَّ وجَلَّ مَحَبَّةً وتعظيمًا بفِعلِ أوامِرِه واجتِنابِ نواهيه على الوَجْهِ الذي جاءت به شَرائِعُه"، قال اللهُ تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة: 5] ) .
3- جميعُ الرُّسُلِ دَعَوا إلى توحيدِ اللهِ جلَّ وعلا وإخلاصِ العِبادةِ له.
قال اللهُ تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] .
عن قتادة قال: (أُرسِلَت الرُّسُلُ بالإخلاصِ والتَّوحيدِ، لا يُقبَلُ منهم عَمَلٌ حتَّى يقولوه، ويُقِرُّوا به) .
وعن قتادةَ في قَولِ اللهِ تعالى: أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [النحل: 2] قال: (إنَّما بَعَث اللهُ المرسَلينَ أن يُوَحِّدوا اللهَ وَحْدَه، ويُطاعَ أمْرُه، ويُجتَنَبَ سَخَطُه) .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (اعلَمْ أنَّ التَّوحيدَ أوَّلُ دَعوةِ الرُّسُلِ، وأوَّلُ مَنازِلِ الطَّريقِ، وأوَّلُ مَقامٍ يقومُ فيه السَّالِكُ إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 59] ، وقال هودٌ عليه السَّلامُ لقَومِه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 65] ، وقال صالحٌ عليه السَّلامُ لقَومِه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 73] ، وقال شُعَيبٌ عليه السَّلامُ لقَومِه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 85] ، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أُمرِتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ ))؛ ولهذا كان الصَّحيحُ أنَّ أوَّلَ واجِبٍ يجِبُ على المكَلَّفِ شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، لا النَّظَرُ، ولا القَصْدُ إلى النَّظَرِ، ولا الشَّكُّ، كما هي أقوالٌ لأربابِ الكلامِ المذمومِ، بل أئمَّةُ السَّلَفِ كُلُّهم مُتَّفِقونَ على أنَّ أوَّلَ ما يُؤمَرُ به العَبدُ الشَّهادتانِ... فالتَّوحيدُ أوَّلُ ما يَدخُلُ به في الإسلامِ، وآخِرُ ما يخرُجُ به من الدُّنيا، كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن كان آخِرَ كَلامِه: لا إلهَ إلَّا اللهُ، دَخَل الجنَّةَ ))، وهو أوَّلُ واجبٍ وآخِرُ واجِبٍ؛ فالتَّوحيدُ أوَّلُ الأمرِ وآخِرُه، أعني: توحيدُ الإلَهيَّةِ) .
وقال علي القاري: (إنَّما جاء الأنبياءُ عليهم السَّلامُ لبيانِ التوحيدِ وتبيانِ التفريدِ؛ ولذا أطبقت كَلِمتُهم، وأجمعت حُجَّتُهم على كَلِمةِ «لا إلهَ إلَّا اللهُ»، ولم يؤمَروا بأن يأمروا أهلَ مِلَّتِهم بأن يقولوا: «اللهُ موجودٌ»، بل قَصَدوا إظهارَ أنَّ غَيرَه ليس بمعبودٍ، ردًّا لِما توهَّموا وتخَيَّلوا؛ حيث قالوا -كما حكى اللهُ عنهم-: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، ومَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) .
وقال الشَّوكاني: (لم يَبعَثِ اللهُ سُبحانَه رُسُلَه، ولا أنزَلَ عليهم كُتُبَه إلَّا لإخلاصِ تَوحيدِه، وإفرادِه بالعِبادةِ) .
وقال مبارك الميلي الجزائري: (إنَّ القُرآنَ العظيمَ يَقُصُّ علينا في جَلاءٍ ووُضوحٍ أنَّ أوَّلَ ما يدعو إليه الأنبياءُ والمرسَلون -صَلَواتُ اللهِ عليهم أجمعين- هو توحيدُ اللهِ، وأوَّلُ ما يُنكِرونَه على قَوْمِهم الشِّركُ ومَظاهِرُه، وعلى حُكمِ هذه السُّنَّةِ الرَّشيدةِ جاءت بَعثةُ خاتمِ النبيِّينَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فعُنِيَت بالدَّعوةِ إلى التوحيدِ، والتحَرُّزِ مِنَ الشِّركِ، والتحذيرِ منه، وما ذلك إلا لشِدَّةِ الحاجةِ إلى معرفتِه، وإنَّك لتَجِدُ تلك العنايةَ ظاهِرةً في الكتابِ وأطوارِ البَعثةِ وأركانِ الدِّينِ) .
وقال الشِّنقيطيُّ: (هذه الكَلِمةُ التي هي «لا إلهَ إلَّا اللهُ» هي التي قامت عليها السَّمَواتُ والأرضُ، وخُلِقَت لأجْلِ الحِسابِ عليها الجنَّةُ والنَّارُ، وأرسِلَ بها الرُّسُلُ، وهي محَلُّ المعارِكِ بيْن الرُّسُلِ وأُمَمِهم، وجميعُ الرُّسُلِ ما أُرسِلَ منهم نبيٌّ إلَّا بهذه الكَلِمةِ، وما تتضَمَّنُه مِنَ الشَّرائِعِ والأحكامِ، إذا نظَرْتَ في رسائِلِ الرُّسُلِ إجماعًا وتفصيلًا وجَدْتَ ذلك كما قُلْنا، وممَّا يدُلُّ عليه تفصيلًا أنَّ كُلَّ رَسولٍ إذا أُرسِلَ إلى قَومِه يبَيِّنُ القُرآنُ أنَّ أوَّلَ ما يقولُ لهم هو مضمونُ «لا إلهَ إلَّا اللهُ»، كقَولِه في قَصَصِهم في هذه السُّورةِ الكريمةِ: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [الأعراف: 59] ماذا قال لهم؟ قال: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأعراف: 59] ، ثم قال: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [الأعراف: 65] ، ماذا قال لهم؟ قال: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 65] ، ثمَّ قال: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 73] ، وكذلك قال في شُعَيبٍ: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 85] ، وهكذا. وكذلك بالإجمال قَولُه تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] ، وفي القراءة الأخرى: إِلَّا يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [النحل: 36] ) .
وقال ابنُ باز: (كُلُّ رَسولٍ يدعو أمَّتَه إلى توحيدِ اللهِ، وطاعتِه، وتَرْكِ الشِّرْكِ به ومَعصيتِه. قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، اعبُدوا الله، يعني: أطيعُوه ووَحِّدوه، واستقيموا على دينِه، واجتَنِبوا الطَّاغوتَ) .
وقال ابنُ عثيمين: (أعظَمُ ما دعا إليه الرُّسُلُ مِن أوَّلِهم نُوحٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى آخرِهم مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّوحيدُ، كما قال اللهُ تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، وقال عزَّ وجَلَّ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] ) .
4- توحيدُ الأُلوهيَّةِ مُتضَمِّنٌ لتَوحيدِ الرُّبوبيَّةِ ولتَوحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ
مَن عَبدَ اللهَ تعالى وَحْدَه، وآمَنَ بأنَّه المستَحِقُّ وَحْدَه للعِبادةِ، دَلَّ ذلك على أنَّه مُؤمِنٌ برُبوبِيَّتِه وبأسمائِه وصِفاتِه؛ لأنَّه لم يَفعَلْ ذلك إلَّا لأنَّه يَعتَقِدُ بأنَّ اللهَ تعالى وَحْدَه هو المتفَضِّلُ عليه وعلى جميعِ عِبادِه بالخَلْقِ والرِّزقِ، والتَّدبيرِ، وغَيرِ ذلك من خَصائِصِ الرُّبوبيَّةِ، وأنَّه تعالى له الأسماءُ الحُسنى والصِّفاتُ العُلا، التي تدُلُّ على أنَّه المستَحِقُّ للعِبادةِ وَحْدَه لا شَريكَ له.
ومع أهميَّةِ هذا التَّوحيدِ فقد جَحَده أكثَرُ الخَلْقِ، فأنكَروا أن يكونَ اللهُ تعالى هو المستَحِقَّ للعِبادةِ وَحْدَه لا شَريكَ له، وعَبَدوا غَيرَه معه !
قال محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخ: (توحيدُ الرُّبوبيَّةِ هو الأصلُ، وهو الدَّليلُ على توحيدِ الأُلوهيَّةِ، فإذا كان اللهُ تعالى هو المتفَرِّدَ بخَلْقِ السَّمَواتِ والأرضِ لم يُشرَكْ فيه مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبيٌّ مُرسَلٌ، فكونُه هو الخالِقَ وَحْدَه يقتضي أن يكونَ هو المعبودَ وَحْدَه؛ فإنَّه مِن أبعَدِ شَيءٍ أن يكونَ المخلوقُ مُساوِيًا للخالِقِ أو مُستَحِقًّا لِما يَستَحِقُّه الخالِقُ) .
وقال ابنُ باز: (أوضَحَ أهْلُ العِلْمِ رحمهم اللهُ أنَّ توحيدَ الرُّبوبيَّةِ يستلزِمُ توحيدَ الأُلوهيَّةِ -وهو: إفرادُ اللهِ بالعِبادةِ- ويوجِبُ ذلك ويقتضيه؛ ولهذا احتَجَّ اللهُ عليهم بذلك.
وهكذا توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ يَستَلزِمُ تَخصيصَ اللهِ بالعِبادةِ وإفرادَه بها؛ لأنَّه سُبحانَه هو الكامِلُ في ذاتِه وفي أسمائِه وصِفاتِه، وهو المنعِمُ على عبادِه، فهو المستَحِقُّ لأن يَعبُدوه ويُطيعوا أوامِرَه، ويَنتَهوا عن نواهيه) .
وقال ابنُ عثيمين: (لا رَيبَ أنَّ كُلَّ إنسانٍ عاقِلٍ يُقِرُّ بتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ؛ فإنَّ إقرارَه ذلك حُجَّةٌ عليه أن يُقِرَّ بتوحيدِ الأُلوهيَّةِ؛ لأنَّه إذا كان يُقِرُّ بأنَّ الخالِقَ هو اللهُ، المدَبِّرُ هو اللهُ، والمالِكُ هو اللهُ، فكيف يكونُ هناك معبودٌ مع اللهِ؟ ومِن ثَمَّ تَجِدونَ اللهَ عزَّ وجَلَّ يقَرِّرُ توحيدَ الأُلوهيَّةِ بتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21] ؛ فجعل توحيدَ الرُّبوبيَّةِ دليلًا مُلزِمًا بتوحيدِ الأُلوهيَّةِ.
اعْبُدُوا رَبَّكُمْ هذا هو توحيدُ الأُلوهيَّةِ؛ أُلوهيَّةٌ بالنِّسبةِ للهِ، وعُبوديَّةٌ بالنِّسبةِ للخَلْقِ، الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، هذا هو توحيدُ الرُّبوبيَّةِ، فإذا كنتُم تُؤمِنونَ بذلك، فلماذا لا توَحِّدونَه بالعِبادةِ، لِماذا تَعبُدونَ الأصنامَ والأشجارَ معه؟! هذا دليلٌ عَقليٌّ لا يمكِنُ لأيِّ إنسانٍ عاقِلٍ أن يحيدَ عنه؛ ولهذا يَذكُرُ اللهُ ذلك مُلزِمًا لهؤلاء المشركين أن يقولوا بأنَّ اللهَ إلهٌ واحِدٌ، وصَدَق اللهُ عزَّ وجَلَّ) .
وقال أيضًا: (توحيدُ الرُّبوبيَّةِ يَستلزِمُ توحيدَ الأُلوهيَّةِ؛ والتَّوحيدانِ يَستلزِمانِ كمالَ الأسماءِ والصِّفاتِ؛ ولهذا قال إبراهيمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبيه: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم: 42] ) .
5- أنَّ تحقيقَه سَبَبٌ لدُخولِ الجَنَّةِ والنَّجاةِ مِنَ النَّارِ
عن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ((هل تَدْري ما حَقُّ اللهِ على عِبادِه؟)) قلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: ((حَقُّ اللهِ على عِبادِه أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا ))، ثم قال: ((هل تدري ما حقُّ العبادِ على اللهِ إذا فَعَلوه؟)) قلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: ((حَقُّ العِبادِ على اللهِ ألَّا يُعَذِّبَهم )) .
وعن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من مات لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا دَخَل الجنَّةَ، ومن مات يُشرِكُ باللهِ شَيئًا دَخَل النَّارَ )) .
قال المَنَاوِيُّ في شرحِ حديثِ ((سبعون ألفًا يدخُلون الجنَّةَ بغيرِ حِسابٍ ولا عذابٍ )) : (إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعل الوَصْفَ الذي استحَقَّ به هؤلاء دُخولَها بغيِر حِسابٍ تحقيقَ التوحيدِ وتجريدَه، فلا يَسألون غيرَهم أن يَرْقِيَهم، «ولا يتطَيَّرون»؛ لأنَّ الطِّيَرةَ نوعٌ من الشِّركِ، «وعلى رَبِّهم يتوّكَّلون» قَدَّم الظَّرفَ ليفيدَ الاختصاصَ، أي: عليه لا على غيره) .
وقال سُليمانُ بنُ عبدِ اللهِ آل الشيخِ في كلامِه على قَولِه تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 82] : (فدَلَّت على فَضْلِ التوحيدِ وتكفيرِه للذُّنوبِ؛ لأنَّ من أتى به تامًّا فله الأمنُ التَّامُّ والاهتداءُ التَّامُّ، ودخل الجنَّةَ بلا عذابٍ، ومن أتى به ناقصًا بالذُّنوبِ التي لم يَتُبْ منها، فإن كانت صغائِرَ كُفِّرت باجتنابِ الكبائِرِ؛... وإن كانت كبائِرَ فهو في حُكمِ المشيئةِ؛ إن شاء الله غَفَر له، وإن شاء عَذَّبه، ومآلُه إلى الجنَّةِ) .
وقال ابنُ عاشور: (المعنى: الذين آمنوا باللهِ ولم يُشرِكوا به غَيْرَه في العِبادةِ... لَهُمُ الْأَمْنُ، والمراد: الأمنُ من عذابِ الدُّنيا بالاستئصالِ ونحوِه، وما عُذِّبَت به الأُمَمُ الجاحِدةُ، ومن عذابِ الآخرةِ؛ إذ لم يكُنْ مطلوبًا منهم حينئذٍ إلَّا التوحيدُ) .
وقال ابنُ باز: (من مات على التَّوحيدِ لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا فإنَّه من أهلِ الجنَّةِ وإن زنى وإن سرق، وهكذا لو فَعَل معاصيَ أخرى، كالعُقوقِ والرِّبَا وشَهادةِ الزُّورِ، ونحوِ ذلك؛ فإنَّ العاصيَ تحت مَشيئةِ اللهِ؛ إن شاء رَبُّنا غفر له، وإن شاء عَذَّبَه على قَدْرِ معاصيه إذا مات غيرَ تائبٍ، ولو دَخَل النَّارَ وعُذِّبَ فيها فإنَّه لا يخَلَّدُ، بل سوف يخرُجُ منها إلى الجنَّةِ بعد التَّطهيرِ والتَّمحيصِ) .
وقال أيضًا: (إنَّ ما جاء في فَضلِ التَّوحيدِ ومن مات عليه فهو من أهلِ الجنَّةِ: إنَّما يكونُ بالتزامِه أُمورَ الإسلامِ، ومِن ذلك أمرُ الصَّلاةِ، من التزَمَ بها حَصَل له ما وُعِد به المتَّقون، ومن أبى حصل عليه ما تُوُعِّدَ به غيرُ المتَّقينَ، ولو أنَّ إنسانًا قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ووَحَّد اللهَ ثم جَحَد وُجوبَ الصَّلاةِ، كفَرَ، ولا ينفَعُه قَولُه: لا إلهَ إلَّا اللهُ، أو توحيدُه لله مع جَحْدِه وجوبَ الصَّلاةِ، فهكذا مَن تَرَكها تساهُلًا وعَمْدًا وقِلَّةَ مُبالاةٍ: حُكمُه حُكمُ من جَحَد وجوبَها في الصَّحيحِ مِن قَولَيِ العُلَماءِ، ولا تنفَعُه شهادتُه بأنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ لأنَّه تَرَك حَقَّها؛ لأنَّ مِن حَقِّها أن يؤدِّيَ المرءُ الصَّلاةَ، وهكذا لو وَحَّد اللهَ وأقَرَّ بأنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ، ولكِنَّه استهزأ بشَيءٍ مِن دينِ اللهِ؛ فإنَّه يَكفُرُ، كما قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65، 66]) .
وقال ابنُ عثيمين: (تحقيقُ التَّوحيدِ: تخليصُه مِن الشِّرْكِ، ولا يكونُ إلَّا بأمورٍ ثلاثةٍ:
الأوَّلُ: العِلمُ، فلا يمكِنُ أن تحَقِّقَ شَيئًا قَبلَ أن تَعلَمَه؛ قال اللهُ تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19]
الثَّاني: الاعتِقادُ، فإذا عَلِمْتَ ولم تعتَقِدْ واستكبَرْتَ، لم تحَقِّقِ التَّوحيدَ؛ قال اللهُ تعالى عن الكافِرينَ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5] ، فما اعتَقَدوا انفرادَ اللهِ بالأُلوهيَّةِ.
الثَّالث: الانقيادُ، فإذا عَلِمْتَ واعتقَدْتَ ولم تنْقَدْ، لم تحَقِّقِ التَّوحيدَ؛ قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات: 35، 36]، فإذا حَصل هذا وحَقَّق التَّوحيدَ، فإنَّ الجنَّةَ مَضمونةٌ له بغيرِ حِسابٍ، ولا يحتاجُ أن نقولَ: إن شاء اللهُ؛ لأنَّ هذا حكايةُ حُكمٍ ثابتٍ شَرعًا، أمَّا بالنِّسبةِ للرَّجُلِ المعَيَّنِ، فإنَّنا نقولُ: إن شاء اللهُ) .
10 - أنواعِ العبادةِ التي صَرْفُها لغيرِ اللهِ شِرْكٌ
[122] كما يتضَمَّنُ عَمَلُ القَلبِ أعمالًا.=
عَلاقةُ قَولِ اللِّسانِ بقَولِ القَلبِ وعَمَلِه
إنَّ قَولَ القَلبِ مُتعَلِّقُ التوحيدِ الخَبَريِّ الاعتِقاديِّ.
وعَمَلَ القَلْبِ هو متعَلِّقُ التوحيدِ الطَّلَبيِّ الإراديِّ.
فالإيمانُ باللهِ وملائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخِرِ والقَدَرِ: يتضَمَّنُ توحيدَ الأسماءِ والصِّفاتِ، وتصديقَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في كُلِّ ما أخبر عن رَبِّه من الكُتُبِ وما فيها، والملائِكةِ وأعمالِهم وصِفاتِهم، والنبِّيين ودَعوتِهم وأخبارِهم، وأحوالِ البَرْزَخِ والآخِرةِ، والمقاديرِ وسائِرِ المغيَّباتِ؛ فالإقرارُ بهذا والتصديقُ به مجمَلًا أو مفصَّلًا هو قَولُ القَلبِ، وهو التوحيدُ الخَبَريُّ الاعتقاديُّ.
وعَمَلُ القَلبِ يتضَمَّنُ توحيدَ اللهِ عزَّ وجَلَّ بعبادتِه وَحْدَه؛ حُبًّا وخَوفًا ورجاءً، ورغبةً ورَهبةً، وإنابةً وتوكُّلًا، وخشوًعا واستعانةً، ودُعاءً وإجلالًا، وتعظيًما وانقيادًا، وتسليمًا لأمْرِه الكونيِّ وأمْرِه الشَّرعيِّ، ورضًا بحُكْمِه القَدَريِّ والشَّرعيِّ، وسائِرِ أنواعِ العبادةِ التي صَرْفُها لغيرِ اللهِ شِرْكٌ
.
وهذان هما نوعا التوحيدِ الذي جاءت به الرُّسُلُ، وأنزل اللهُ به الكُتُبَ، وشهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ -التي هي رأسُ الأعمالِ وأوَّلُ واجبٍ على العبدِ- إنما هي إنشاءٌ للالتزامِ بهذين النوعينِ، ومن ثَمَّ سُمِّيت كَلِمةَ التوحيدِ، ومن هنا كان أجهَلُ النَّاسِ بالتوحيدِ مَن ظَنَّ أنَّ المطلوبَ بقَولِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ هو التلَفُّظُ بها باللِّسانِ فقط!
فإنَّ كُلَّ عَمَلٍ مِن أعمالِ الإنسانِ الظَّاهِرةِ -على اللِّسانِ أو الجوارحِ- لا بُدَّ أن يكونَ تعبيرًا عمَّا في القَلبِ، وتحقيقًا له، ومُظهِرًا لإرادتِه، وإلَّا كان صاحِبُه مُنافِقًا النِّفاقَ الشَّرعيَّ أو العُرفيَّ، وأخَصُّ من ذلك العباداتُ؛ فكُلُّ عبادةٍ قَوليَّةٍ وفِعليَّةٍ لا بُدَّ أن يقتَرِنَ بها مِن عَمَلِ القَلبِ وما يُفَرِّقُ بينها وبين أفعالِ الجماداتِ أو الحرَكاتِ اللَّاإراديَّةِ أو أفعالِ المنافقينَ، فما بالُك برأسِ العباداتِ وأعظَمِها، بل أعظَمِ شيءٍ في الوجودِ، الذي يَرجَحُ بالسَّمواتِ والأرضِ وعامِرِهنَّ غيرَ اللهِ تعالى: وهي شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ؟!
ولهذا يتفاوَتُ قائِلو هذه الكَلِمةِ تفاوُتًا عظيمًا بحَسَبِ تفاوُتِ ما في قُلوبِهم من التوحيدِ
قال ابنُ القَيِّمِ: (اعلَمْ أنَّ أشِعَّةَ لا إلهَ إلَّا اللهُ تُبَدِّدُ مِن ضبابِ الذُّنوبِ وغُيومِها بقُدرةِ قُوَّةِ الشُّعاعِ وضَعْفِه؛ فلها نورٌ، وتفاوُتُ أهلِها في ذلك النُّورِ قوةً وضَعفًا لا يُحصِيه إلَّا اللهُ تعالى، فمِنَ النَّاسِ مَن نورُ هذه الكَلِمةِ في قَلْبِه كالشَّمسِ، ومنهم من نورُها في قَلْبِه كالكوكَبِ الدُّرِّيِّ، ومنهم من نورُها في قَلْبِه كالمِشْعَلِ العظيمِ، وآخَرُ كالسِّراجِ المضيءِ، وآخَرُ كالسِّراجِ الضَّعيفِ؛ ولهذا تظهَرُ الأنوارُ يومَ القيامةِ بأيمانِهم وبين أيديهم على هذا المِقدارِ، بحَسَبِ ما في قُلوبِهم من نُورِ هذه الكَلِمةِ؛ عِلمًا وعَمَلًا، ومَعرِفةً وحالًا.
وكُلَّما عَظُم نورُ هذه الكَلِمةِ واشتَدَّ، أحرَقَ مِن الشُّبُهاتِ والشَّهواتِ بحسَبِ قُوَّتِه وشِدَّتِه، حتى إنَّه ربَّما وصل إلى حالٍ لا يصادِفُ معها شُبهةً ولا شهوةً ولا ذَنبًا إلَّا أحرَقَه، وهذا حالُ الصَّادِقِ في توحيدِه، الذي لم يُشرِكْ باللهِ شيئًا، فأيُّ ذَنبٍ أو شهوةٍ أو شُبهةٍ دَنَت من هذا النُّورِ أحرَقَها، فسماءُ إيمانِه قد حُرِسَت بالنُّجومِ مِن كُلِّ سارقٍ لحَسَناتِه، فلا ينالُ منها السَّارِقُ إلَّا على غِرَّةٍ وغَفلةٍ لا بُدَّ منها للبَشَرِ، فإذا استيقَظَ وعَلِمَ ما سُرِقَ منه استنقَذَه من سارِقِه، أو حصَّل أضعافَه بكَسْبِه، فهو هكذا أبدًا مع لُصوصِ الجِنِّ والإنسِ، ليس كمن فَتَح لهم خِزانَتَه، وولَّى البابَ ظَهْرَه، وليس التوحيدُ مجَرَّدَ إقرارِ العَبدِ بأنَّه لا خالِقَ إلَّا اللهُ، وأنَّ اللهَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ ومَليكُه، كما كان عُبَّادُ الأصنامِ مُقِرِّين بذلك، وهم مُشرِكون، بل التوحيدُ يتضَمَّنُ من محبَّةِ اللهِ، والخُضوعِ له، والذُّلِّ له، وكَمالِ الانقيادِ لطاعتِه، وإخلاصِ العبادةِ له، وإرادةِ وَجْهِه الأعلى بجَميعِ الأقوالِ والأعمالِ، والمنعِ والعَطاءِ، والحُبِّ والبُغضِ: ما يحولُ بين صاحِبِه وبين الأسبابِ الدَّاعيةِ إلى المعاصي والإصرارِ عليها، ومن عَرَف هذا عَرَف قَولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ حَرَّم على النَّارِ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ يبتغي بذلك وَجْهَ اللهِ )) ، وقَولَه: ((لا يدخُلُ النَّارَ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ )) ، وما جاء من هذا الضَّربِ مِن الأحاديثِ التي أَشكَلَت على كثيرٍ مِن النَّاسِ، حتى ظَنَّها بعضُهم منسوخةً، وظَنَّها بعضُهم قيلَت قبل ورودِ الأوامِرِ والنَّواهي واستقرارِ الشَّرعِ، وحَمَلَها بعضُهم على نارِ المُشرِكين والكُفَّارِ، وأوَّلَ بَعضُهم الدُّخولَ بالخُلودِ، وقال: المعنى لا يدخُلُها خالِدًا، ونحوَ ذلك من التأويلاتِ المُستَكرَهةِ.
والشَّارِعُ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليه لم يجعَلْ ذلك حاصِلًا بمجَرَّدِ قَولِ اللِّسانِ فقط؛ فإنَّ هذا خلافُ المعلومِ بالاضطرارِ مِن دينِ الإسلامِ، فإنَّ المنافقين يقولونَها بألسِنَتِهم، وهم تحت الجاحِدينَ لها في الدَّركِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ، فلا بدَّ مِن قَولِ القَلبِ، وقَولِ اللِّسانِ!
وقَولُ القَلبِ: يتضَمَّنُ معرفتَها، والتصديقَ بها، ومَعرِفةَ حقيقةِ ما تضمَّنَتْه من النَّفيِ والإثباتِ، ومعرفةَ حقيقةِ الإلهيَّةِ المنفيَّةِ عن غيرِ اللهِ، المختَصَّةِ به، التي يستحيلُ ثُبوتُها لغيرِه، وقيامَ هذا المعنى بالقَلْبِ؛ عِلمًا ومعرفةً، ويقينًا وحالًا: ما يوجِبُ تحريمَ قائِلِها على النَّارِ، وكُلُّ قَولٍ رَتَّب الشَّارعُ ما رَتَّب عليه من الثَّوابِ، فإنَّما هو القَولُ التَّامُّ، كقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من قال في يومٍ: سُبحانَ اللهِ وبحَمْدِه مائةَ مَرَّةٍ، حُطَّت عنه خطاياه أو غُفِرَت ذُنوبُه، ولو كانت مِثلَ زَبَدِ البَحرِ )) ، وليس هذا مُرَتَّبًا على مجَرَّدِ قَولِ اللِّسانِ، نعم من قالها بلِسانِه غافِلًا عن معناها، مُعرِضًا عن تدَبُّرِها، ولم يواطِئْ قَلْبُه لسانَه، ولا عَرَفَ قَدْرَها وحقيقتَها، راجيًا من ذلك ثوابَها؛ حُطَّت مِن خطاياه بحَسَبِ ما في قَلْبِه؛ فإنَّ الأعمالَ لا تتفاضَلُ بصُوَرِها وعَدَدِها، وإنَّما تتفاضَلُ بتفاضُلِ ما في القُلوبِ، فتكونُ صورةُ العَمَلينِ واحِدةً، وبينهما في التفاضُلِ كما بين السَّماءِ والأرضِ، والرَّجُلانِ يكونُ مَقامُهما في الصَّفِّ واحِدًا وبين صلاتَيهما كما بين السَّماءِ والأرضِ.
وتأمَّلْ حديثَ البِطاقةِ التي توضَعُ في كِفَّةٍ، ويقابِلُها تسعةٌ وتِسعون سِجِلًّا، كلُّ سِجِلٍّ منها مَدَّ البَصَرِ، فتَثقُلُ البطاقةُ وتَطيشُ السِّجِلَّاتُ! فلا يُعَذَّبُ .
ومعلومٌ أنَّ كُلَّ مُوَحِّدٍ له مِثلُ هذه البطاقةِ، وكثيرٌ منهم يدخُلُ النَّارَ بذُنوبِه، ولكِنَّ السِّرَّ الذي ثقَّل بطاقةَ ذلك الرَّجُلِ، وطاشت لأجْلِه السِّجِلَّاتُ، لَمَّا لم يحصُلْ لغيرِه من أربابِ البِطاقاتِ، انفَرَدَتْ بطاقتُه بالثِّقلِ والرَّزانةِ.
وإذا أردت زيادةَ الإيضاحِ لهذا المعنى فانظُرْ إلى ذِكْرِ مَن قَلْبُه مَلآنُ بمحَبَّتِك، وذِكرِ من هو مُعرِضٌ عنك غافِلٌ ساهٍ، مشغولٌ بغيرك، قد انجذَبَت دواعي قَلْبِه إلى محبَّةِ غَيرِك، وإيثارِه عليك، وهل يكونُ ذِكرُهما واحِدًا؟ أم هل يكونُ وَلَداك اللَّذان هما بهذه المثابةِ أو عبداك أو زَوجَتاك عندك سَواءً؟!
وتأمَّلْ ما قام بقَلبِ قاتِلِ المائةِ مِن حقائِقِ الإيمانِ التي لم تشغَلْه عند السِّياقِ عن السَّيرِ إلى القريةِ، وحمَلَتْه -وهو في تلك الحالِ- على أن جَعَل ينوءُ بصَدْرِه، ويعالجُ سكَراتِ الموتِ، فهذا أمرٌ آخَرُ، وإيمانٌ آخَرُ، ولا جَرَمَ أن أُلحِقَ بالقريةِ الصَّالحةِ، وجُعِل مِن أهلِها.
وقريبٌ من هذا ما قام بقَلبِ البَغيِّ التي رأت ذلك الكَلْبَ وقد اشتَدَّ به العَطَشُ، يأكُلُ الثَّرى، فقام بقَلْبِها ذلك الوَقتَ -مع عَدَمِ الآلةِ، وعَدَمِ المعينِ، وعَدَمِ مَن تُرائيه بعَمَلِها- ما حمَلَها على أن غَرَّرَت بنَفْسِها في نزولِ البِئرِ، ومَلءِ الماءِ في خُفِّها، ولم تَعبَأْ بتعَرُّضِها للتَّلَفِ، وحَمْلِها خُفَّها بفيها وهو ملآنُ، وحتى أمكَنَها الرُّقيُّ من البئرِ، ثم تواضُعِها لهذا المخلوقِ الذي جرت عادةُ النَّاسِ بضَرْبِه؛ فأمسكت له الخُفَّ بيَدِها حتى شَرِب، ومن غيرِ أن ترجوَ منه جزاءً ولا شُكورًا، فأحرقت أنوارُ هذا القَدْرِ من التوحيدِ ما تقدَّم منها من البِغاءِ، فغُفِرَ لها!
فهكذا الأعمالُ والعُمَّالُ عند الله، والغافِلُ في غَفلةٍ مِن هذا الإكسيرِ الكِيماويِّ، الذي إذا وُضِعَ منه مثقالُ ذَرَّةٍ على قناطيرَ مِن نُحاسِ الأعمالِ قَلَبَها ذَهَبًا، واللهُ المستعانُ) .
وقال ابنُ رجبٍ: (قَولُ العَبدِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ يقتضي أنْ لا إلهَ غَيرُ اللهِ، والإلهُ: الذي يُطاعُ فلا يُعصى؛ هيبةً له وإجلالًا، ومحبَّةً وخوفًا ورجاءً، وتوكُّلًا عليه، وسؤالًا منه، ودعاءً له، ولا يصلُحُ ذلك كُلُّه إلَّا للهِ عزَّ وجَلَّ، فمن أشرك مخلوقًا في شيءٍ مِن هذه الأمورِ التي هي من خصائِصِ الإلهيَّةِ، كان ذلك قَدْحًا في إخلاصِه في قَولِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ونقصًا في توحيدِه؛ فكان فيه عبوديَّةٌ لذاك المخلوقِ بحسَبِ ما فيه من ذلك) .
11 - ،
وأعظَمُ من ذلك تقَدُّمه على ذلك بمشهَدٍ من رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم، وإعلانُه عَقْدَ النِّكاحِ.
12 - ابنُ القَيِّمِ: (اعلَمْ
أنَّ أشِعَّةَ لا إلهَ إلَّا اللهُ تبدِّدُ مِن ضَبابِ الذُّنوبِ وغُيومِها قلت
المدون يشرط التوبة منها قبل الممات.
مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ: أنَّها أفضَلُ ما ذُكِرَ اللهُ عزَّ وجَلَّ به، وأثقَلُ شَيءٍ في مِيزانِ العَبدِ يَومَ القِيامةِ {{قلت المدون بشرط التوبة منها قبل الممات:}}
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وَحْدَه لا شَريكَ له، له المُلْكُ وله الحَمدُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، في يومٍ مائِةَ مَرَّةٍ، كانت له عَدْلَ عَشرِ رِقابٍ، وكُتِبَت له مائةُ حَسَنةٍ، ومُحِيَت عنه مائةُ سَيِّئةٍ، وكانت له حِرزًا مِنَ الشَّيطانِ يَومَه ذلك حتَّى يمسِيَ، ولم يأتِ أحَدٌ بأفضَلَ مِمَّا جاء به إلَّا أحَدٌ عَمِلَ أكثَرَ مِن ذلك ))
وعن أبي ذَرٍّ الغِفاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَمِنَ الحَسَناتِ لا إلهَ إلَّا اللهُ؟ قال: ((هي أفضَلُ الحَسَناتِ)) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ نُوحًا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قال لابنِه عندَ مَوتِه: آمُرُك بلا إلهَ إلَّا اللهُ؛ فإنَّ السَّمَواتِ السَّبعَ والأرَضِينَ السَّبعَ لو وُضِعَت في كِفَّةٍ، ووُضِعَت لا إلهَ إلَّا اللهُ في كِفَّةٍ؛ رَجَحَت بهِنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ولو أنَّ السَّمَوات السَّبعَ، والأَرَضينَ السَّبعَ كُنَّ حَلْقةً مُبهَمةً، قَصَمْتُهنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ )) .
وقال سُلَيمانُ آل الشَّيخِ: (قَولُه: ((مالت بهِنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ))، أي: رجَحَت عليهنَّ؛ وذلك لِما اشتمَلَت عليه من توحيدِ اللهِ الذي هو أفضَلُ الأعمالِ، وأساسُ المِلَّةِ، ورأسُ الدِّينِ، فمن قالها بإخلاصٍ ويقينٍ، وعَمِلَ بمُقتضاها ولوازِمِها، واستقام على ذلك؛ فهو من الذين لا خَوفٌ عليهم ولا هم يحزنونَ، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فَصْلت: 30 - 32] ) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ سيُخَلِّصُ رجُلًا مِن أُمَّتي على رُؤوسِ الخلائِقِ يومَ القيامةِ، فيَنشُرُ عليه تِسعةً وتِسعينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثلُ مَدِّ البَصَرِ، ثمَّ يَقولُ: أتُنكِرُ مِن هذا شيئًا؟ أظلَمَك كتَبَتي الحافِظونَ؟ فيقولُ: لا يا رَبِّ، فيقولُ: أفلَكَ عُذرٌ؟ فيقولُ: لا يا رَبِّ، فيَقولُ: بلى، إنَّ لك عِندَنا حَسَنةً؛ فإنَّه لا ظُلْمَ عليك اليومَ، فتَخرُجُ بِطاقةٌ فيها: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، فيَقولُ: احضُرْ وَزْنَك، فيَقولُ: يا رَبِّ، ما هذه البِطاقةُ مع هذه السِّجِلَّاتُ؟! فقال: إنَّك لا تُظلَمُ، قال: فتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ في كِفَّةٍ، والبِطاقةُ في كِفَّةٍ، فطاشت السِّجِلَّاتُ، وثَقُلَت البِطاقةُ، فلا يَثقُلُ مع اسمِ اللهِ شَيءٌ )) .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (مَن كَرَّر التَّوبةَ المذكورةَ، والعَودَ للذَّنبِ، لا يُجزَمُ له أنَّه قد دخل في معنى هذا الحديثِ، وأنَّه قد يَعمَلُ بعد ذلك ما شاء، لا يُرجى له أن يكونَ مِن أهلِ الوَعدِ، ولا يُجزَمُ لمعَيَّنٍ بهذا الحُكمِ، كما لا يُجزَمُ في حَقِّ مُعَيَّنٍ بالوعيدِ، كسائِرِ نُصوصِ الوَعدِ والوَعيدِ؛ فإنَّ هذا كقَولِه: من فَعَل كذا دَخَل الجنَّةَ، ومَن فَعَل كذا دخَلَ النَّارَ، لا يُجزَمُ لمعَيَّنٍ، لكِنْ يُرجى للمُحسِنِ، ويخافُ المسيءُ.
ومِن هذا البابِ حَديثُ البِطاقةِ التي قَدْرُ الكَفِّ فيها التَّوحيدُ، وُضِعَت في الميزانِ فرجَحَت على تلك السِّجِلَّاتِ مِن السَّيِّئاتِ. وليس كُلُّ من تكَلَّم بالشَّهادتينِ كان بهذه المنزِلةِ؛ لأنَّ هذا العَبدَ صاحِبَ البِطاقةِ كان في قَلْبِه مِنَ التَّوحيدِ واليَقينِ والإخلاصِ ما أوجَبَ أنْ عَظُم قَدْرُه حتَّى صار راجِحًا على هذه السَّيِّئاتِ.
ومِن أجلِ ذلك صار الْمُدُّ مِن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أفضَلَ مِن مِثْلِ جَبَلِ أحُدٍ ذَهَبًا مِن غَيرِهم.
ومن ذلك حَديثُ البَغِيِّ التي سَقَت كَلْبًا فغُفِرَ لها؛ فلا يُقالُ في كُلِّ بَغِيٍّ سَقَت كَلبًا: غُفِرَ لها؛ لأنَّ هذه البَغِيَّ قد حَصَل لها مِنَ الصِّدقِ والإخلاصِ والرَّحمةِ بخَلْقِ اللهِ ما عادَلَ إثْمَ البَغْيِ، وزاد عليه ما أوجَبَ المغفِرةَ، والمغفِرةُ تحصُلُ بما يحصُلُ في القَلبِ مِنَ الإيمانِ الذي يَعلَمُ اللهُ وَحْدَه مِقدارَه وصِفَتَه.
وهذا يَفتَحُ بابَ العَمَلِ، ويجتَهِدُ به العبدُ أن يأتيَ بهذه الأعمالِ وأمثالِها مِن مُوجِباتِ الرَّحمةِ وعَزائِمِ المغفِرةِ، ويكونُ مع ذلك بيْن الخَوفِ والرَّجاءِ، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون: 60] ) .
وقال الطِّيبي: (أفضَلُ الذِّكرِ: قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وهي الكَلِمةُ العُلْيا، وهي القُطبُ الذي يدورُ عليها رحى الإسلامِ، وهي القاعِدةُ التي بُنِيَ عليها أركانُ الدِّينِ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (اعلَمْ أنَّ أشِعَّةَ لا إلهَ إلَّا اللهُ تبدِّدُ مِن ضَبابِ الذُّنوبِ وغُيومِها بقَدْرِ قُوَّةِ ذلك الشُّعاعِ وضَعْفِه، فلها نُورٌ، وتفاوُتُ أهلِها في ذلك النُّورِ قُوَّةً وضَعفًا لا يُحصِيه إلَّا اللهُ تعالى؛ فمِنَ النَّاسِ مَن نُورُ هذه الكَلِمةِ في قَلْبِه كالشَّمسِ، ومِنهم مَن نُورُها في قَلْبِه كالكوكَبِ الدُّرِّيِّ، ومنهم مَن نُورُها في قَلْبِه كالمِشعَلِ العَظيمِ، وآخَرُ كالسِّراجِ المضِيءِ، وآخَرُ كالسِّراجِ الضَّعيفِ؛ ولهذا تَظهَرُ الأنوارُ يومَ القيامةِ بأيمانِهم، وبَيْنَ أيديهم، على هذا المِقدارِ، بحسَبِ ما في قُلوبِهم مِن نُورِ هذه الكَلِمةِ؛ عِلمًا وعَمَلًا، ومَعرِفةً وحالًا.
وكلَّما عَظُم نُورُ هذه الكَلِمةِ واشتَدَّ، أحرَقَ مِنَ الشُّبُهاتِ والشَّهواتِ بحسَبِ قُوَّتِه وشِدَّتِه، حتَّى إنَّه رُبَّما وَصَل إلى حالٍ لا يُصادِفُ معها شُبهةً ولا شَهوةً ولا ذَنبًا، إلَّا أحرَقَه، وهذا حالُ الصَّادِقِ في توحيدِه، الذي لم يُشرِكْ باللهِ شَيئًا) .
وقال ابنُ حجرٍ الهيتميُّ في شرحِ حديثِ: ((من لَقِيَني بقُرابِ الأرضِ خَطيئةً لا يُشرِكُ بي شيئًا، لَقِيتُه بمِثْلِها مَغفِرةً )) : (إنَّ الإيمانَ شَرطٌ في مَغفِرةِ ما عدا الشِّركَ؛ لأنَّه الأصلُ الذي ينبني عليه قَبولُ الطَّاعةِ وغُفرانُ المعصيةِ، وأمَّا الشِّركُ فلا أصلَ ينبني عليه ذلك: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23] فالسَّبَبُ الأعظَمُ للمَغفرةِ هو التوحيدُ، فمن فَقَده فقد فقَدَها، ومن أتـى به ولو وَحْدَه بأن لم يكُنْ له عَمَلُ خَيرٍ غَيرُه؛ فقد أتى بأعظَمِ أسبابِها، لكِنَّه تحت المشيئةِ، وعلى كُلٍّ فمآلُه إلى الجنَّةِ، وأمَّا من كَمَل توحيدُه وإخلاصُه، وقام بشرائطِه وأحكامِه؛ فإنَّه يُغفَرُ له ما سَلَف من ذنوبِه، ولا يدخُلُ النَّارَ إلَّا لتحِلَّةِ القَسَمِ) .
وقال سُلَيمانُ بنُ سحمان: (اعلَمْ -رَحِمَك اللهُ- أنَّ كَلِمةَ الإخلاصِ، لا إلهَ إلَّا اللهُ، هي الكَلِمةُ التي قامت بها الأرضُ والسَّمَواتُ، وفَطَر اللهُ عليها جميعَ المخلوقاتِ، وعليها أُسِّسَت المِلَّةُ، ونُصِبَت القِبلةُ، ولأجْلِها جُرِّدَت سيوفُ الجِهادِ، وبها أمَرَ اللهُ جميعَ العبادِ؛ فهي فطرةُ اللهِ التي فطر النَّاسَ عليها، ومِفتاحُ عبوديَّتِه التي دعا الأُمَمَ على ألسُنِ رُسُلِه إليها، وهي كَلِمةُ الإسلامِ، ومفتاحُ دارِ السَّلامِ، وأساسُ الفَرضِ والسُّنَّةِ) .
وقال ابنُ باز: (لا إلهَ إلَّا اللهُ، هي أفضَلُ الكلامِ بَعْدَ القُرْآنِ، هي أحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ، وأفضَلُ الكَلامِ، وهي كَلِمةُ الإخلاصِ، وهي أوَّلُ شَيءٍ دَعَت إليه الرُّسُلُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأوَّلُ شَيءٍ دعا إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ قال لقَومِه: ((قولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ تُفلحوا )) ، هي كَلِمةُ الإخلاصِ، كَلِمةُ التَّوحيدِ) .
الفرعُ التاسعُ: مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ: أنَّه لا يَحجُبُها شَيءٌ دونَ اللهِ عزَّ وجَلَّ.
عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما مِنكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيُسبِغُ الوُضوءَ، ثمَّ يقولُ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُه، إلَّا فُتِحَت له أبوابُ الجنَّةِ الثَّمانيةُ يَدخُلُ من أيِّها شاء )) .
قال عبدُ العزيزِ بنُ مَعمَرٍ النَّجْديِّ مُعَلِّقًا على هذا الحديثِ: (هذا فيه الإتيانُ بالشَّهادتينِ المتضَمِّنَتينِ طَهارةَ القَلبِ بَعْدَ الوُضوءِ الذي هو طَهارةُ الظَّاهِرِ؛ لتَتِمَّ له الطَّهارتانِ الظَّاهرةُ والباطِنةُ، وهذا غايةُ الكَمالِ) .
13. - ). . وقال: (إذا عرَفْتَ أنَّ أعظَمَ أهلِ الإخلاصِ وأكثَرَهم حَسَناتٍ لو قال كَلِمةَ الشِّركِ مع كراهيتِه.=
أقوالُ العُلَماءِ في القَرنِ الثَّالثَ عَشَر
1. أحمد العَدَويُّ أبو البركات (الدَّردير) (المالكيُّ). ت:1201هـ
قال الدَّردير: ((الرِّدَّة كُفرُ المُسْلِم) المتقرِّرِ إسلامُه بالنُّطقِ بالشَّهادتينِ، مختارًا، ويكونُ بأحَدِ أمورٍ ثلاثةٍ: (بصريحٍ) من القَوْلِ؛ كقَولِه: أُشْرِكُ أو أَكْفُرُ باللهِ، (أو لفظٍ) أي: قَولٍ يقتضيه، … (أو فعلٍ يتضمَّنُه) أي: يقتضي الكُفْرَ ويستلزمُه استلزامًا بيِّنًا، (كإلقاءِ مُصحَفٍ بقذَرٍ))
2. سليمان بن عمر الجمل (الشَّافعيُّ). ت:1204هـ
قال الجمل: ((كتابُ الرِّدَّة) (هي) لغةً: الرُّجوعُ عن الشَّيءِ إلى غيرِه، وشَرْعًا: (قَطْعُ من يصحُّ طلاقُه الإسلامَ بكفرٍ عزمًا)، ولو في قابلٍ (أو قولًا أو فعلًا، استهزاءً) كان ذلك، (أو عنادًا أو اعتقادًا) بخلافِ ما لو اقترن به ما يخرِجُه عن الرِّدَّةِ؛ كاجتهادٍ، أو سَبْق لسانٍ، أو حكايةٍ، أو خَوفٍ) .
3. محمَّد بن عبد الوهاب التَّميميُّ. ت:1206هـ
قال محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ: (لو نُقَدِّر أَنَّ السُّلطانَ ظَلَم أهلَ المغرِبِ ظُلمًا عظيمًا في أموالِهم وبلادِهم، ومع هذا خافوا استيلاءَه على بلادِهم ظُلمًا وعدوانًا، ورأَوا أَنَّهم لا يدفعونَهم إِلَّا باستنجادِ الفِرنجِ، وعلموا أَنَّ الفرنجَ لا يوافِقونَهم إلَّا أَنْ يقولوا: نحن معكم على دينكم ودنياكم، ودينُكم هو الحقُّ، ودينُ السُّلطانِ هو الباطِلُ، وتظاهروا بذلك ليلًا ونهارًا، مع أَنَّهم لم يدخُلوا في دين الفِرنج، ولم يتركوا الإسلامَ بالفِعْلِ، لكن لَمَّا تظاهروا بما ذكرنا ومرادُهم دَفعُ الظُّلمِ عنهم، هل يَشُكُّ أحدٌ أنَّهم مرتدُّون في أكْبَر ما يكونُ من الكُفْرِ والرِّدَّةِ إذا صرَّحوا أَنَّ دينَ السُّلطان هو الباطِلُ، مع علمِهم أَنَّه حقٌّ، وصرَّحوا أنَّ دينَ الفِرَنج هو الصَّوابُ، وأَنَّه لا يُتَصوَّر أنَّهم لا يتيهون؛ لأنَّهم أكثَرُ من المُسْلِمين، ولأَنَّ اللهَ أعطاهم من الدُّنيا شيئًا كثيرًا، ولأَنَّهم أهلُ الزُّهد والرَّهبانيَّة؟! فتأمَّل هذا تأمُّلًا جيِّدًا، وتأمَّل ما صدَّرْتُم به الأوراقَ من موافقتِكم به الإسلامَ، ومعرفتِكم بالنَّاقِضِ إذا تحقَّقْتُموه، وأَنَّه يكونُ بكَلِمةٍ ولو لم تُعتَقَدْ، ويكونُ بفِعلٍ ولو لم يتكلَّم، ويكونُ في القَلْبِ مِن الحُبِّ والبُغْض ولو لم يتكلَّم ولم يعمَلْ؛ تبيَّن لك الأمرُ)) .
وقال: (تجِدُ الرَّجُلَ يؤمِنُ باللهِ ورَسولِه، وملائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه، وبالبَعثِ بعد الموتِ، فإذا فعل نوعًا من المكفِّراتِ، حَكَم أهلُ العِلمِ بكُفرِه وقَتْلِه، ولم ينفَعْه ما معه من الإِيمانِ. وقد ذكر الفُقَهاءُ من أهلِ كلِّ مذهبٍ "باب حكم المرتد"، وهو الَّذي يكفُرُ بعد إسلامِه، ثُمَّ ذكروا أنواعًا كثيرةً، من فَعَل واحدًا منها كَفرَ، وإذا تأمَّلْتَ ما ذكَرْناه، تبيَّن لك أنَّ الإيمانَ الشَّرعيَّ لا يجامِعُ الكُفْرَ، بخلافِ الإيمانِ اللُّغويِّ. واللهُ أعلَمُ) .
وقال: (أمَّا إنْ لم يكُنْ له عذرٌ، وجلس بين أظهُرِهم، وأظهر لهم أنَّه منهم، وأَنَّ دينَهم حقٌّ، ودينُ الإسلامِ باطلٌ؛ فهذا كافِرٌ مرتدٌّ، ولو عرف الدِّينَ بقَلْبِه؛ لأَنَّه يمنَعُه من الهجرةِ محبَّةُ الدُّنيا على الآخِرةِ، ويتكلَّمُ بكلامِ الكُفْرِ من غيرِ إكراهٍ، فدخل في قَولِه تعالى: وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) .
وقال أيضًا: (اعلَمْ رحِمَـك اللهُ: أنَّ دينَ اللهِ يكونُ على القَلْبِ بالاعتقادِ، وبالحبِّ والبُغضِ، ويكونُ على اللِّسانِ بالنُّطقِ، وتَرْكِ النُّطقِ بالكُفْرِ، ويكونُ على الجوارحِ بفِعلِ أركانِ الإسلامِ، وتَرْكِ الأفعالِ التي تكفِّرُ، فإذا اختلَّت واحِدةٌ من هذه الثَّـلاثِ كَفَر وارتدَّ.
مثالُ عَمَلِ القَلْبِ: أنْ يظنَّ أنَّ هذا الذي عليه أكثرُ النَّاسِ من الاعتقادِ في الأحياءِ والأمواتِ حَقٌّ، ويستدِلُّ بكون أكثَرِ النَّاسِ عليه، فهو كافِرٌ، مكذِّبٌ للنَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو لم يتكلَّم بلسانِه، ولم يعملْ إلَّا بالتَّوحيدِ، وكذلك إذا شكَّ، لا يدري مَن الحقُّ معه، فهذا لو لم يكَذِبْ فهو لم يصدِّقِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهو يقولُ: عسى اللهُ أَنْ يبيِّنَ الحقَّ! فهو في شكٍّ، فهو مرتَدٌّ ولو لم يتكلَّمْ إلَّا بالتَّوحيدِ.
ومثالُ اللِّسانِ: أنْ يؤمِنَ بالحقِّ ويحبَّه، ويكفُرَ بالباطِلِ ويبغِضَه، ولكنَّه تكلَّمَ مُداراةً لأهلِ الأحساءِ، ولأهلِ مكَّةَ أو غيرِهم بوُجوهِهم؛ خوفًا من شرِّهم، وإمَّا أَنْ يكتُبَ لهم كلامًا يصرِّحُ لهم بمَدحِ ما هم عليه، أو يذكُرَ أَنَّه ترك ما هو عليه، ويظنُّ أَنَّه ماكرٌ بهم، وقلبُه موقِنٌ أَنَّه لا يضُرُّه، وهذا أيضًا لغُرورِه!
وهو معنى قَولِ اللهِ تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ إلى قَولِه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الْآخِرَةِ فقط لا لتغيُّرِ عقائِدِهم. فمن عرف هذا عرف أنَّ الخَطَرَ خطرٌ عظيمٌ شديدٌ، وعرف شدَّةَ الحاجةِ للتعلُّمِ والمذاكَرةِ، وهذا معنى قَولِه في الإقناعِ في الرِّدَّة: نطقًا أو اعتقادًا أو شكًّا أو فِعلًا. واللهُ أعلَمُ) .
وقال: (قَولُه تعالى في عمَّار بن ياسرٍ وأشباهِه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ إلى قَولِه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الْآخِرَةِ فلم يستثْنِ اللهَ إلَّا من أُكرِهَ وقَلبُه مُطمَئِنٌّ بالإيمانِ، بشَرطِ طُمأنينةِ قلبِه، والإكراهُ لا يكونُ على العقيدةِ، بل على القَوْلِ والفِعْلِ، فقد صرَّح بأنَّ من قال الكُفْرَ أو فعَلَه، فقد كفر إلَّا المُكْرَهَ، بالشَّرطِ المذكورِ؛ وذلك أنَّ ذلك بسَبَبِ إيثارِ الدُّنيا، لا بسَبَبِ العقيدةِ) .
وقال: (إذا عرَفْتَ أنَّ أعظَمَ أهلِ الإخلاصِ وأكثَرَهم حَسَناتٍ لو قال كَلِمةَ الشِّركِ مع كراهيتِه لها ليقودَ غَيرَه بها إلى الإسلامِ، حبِطَ عَمَلُه، وصار من الخاسِرينَ، فكيف بمن أظهر أَنَّه منهم، وتكلَّم بمائةِ كَلِمةٍ لأجْلِ تجارةٍ أو لأجْلِ أنْ يحجَّ لَمَّا منع الموحِّدين من الحجِّ، كما منعوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه حتّى فتح اللهُ مَكَّةَ) .
وقال: (… السَّادِسُ: من استهزأ بشيءٍ من دينِ الرَّسولِ أو ثوابِه أو عقابِه، كَفَر، والدَّليلُ قَولُه تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65-66] .
السَّابعُ: السِّحرُ، ومنه الصَّرفُ، والعَطفُ، فمن فَعَله أو رَضِيَ به، كَفَر، والدَّليلُ قَولُه تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ [البقرة: 102] .
الثَّامِنُ: مُظاهَرةُ المُشْرِكين ومعاونتُهم على المُسْلِمين، والدَّليلُ قَولُه تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51] .
ولا فَرْقَ في جميعِ هذه النَّواقِضِ بين الهازِلِ والجادِّ والخائِفِ، إلَّا المُكْرَهَ، وكلُّها من أعظَمِ ما يكونُ خَطَرًا، وأكثَرِ ما يكون وقوعًا؛ فينبغي للمُسلم أنْ يحذَرْها، ويخافَ منها على نَفْسِه، نعوذُ باللهِ مِن مُوجِباتِ غَضَبِه، وأليمِ عقابِه، وصلَّى اللهُ على خَيرِ خَلْقِه محمَّدٍ وآلِه وصَحْبِه وسلَّم) .
وقال: (ويقالُ أيضًا: إذا كان الأوَّلون لم يُكفَّروا إلَّا لأَنَّهم جمعوا بين الشِّركِ وتكذيبِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والقُرآنِ، وإنكارِ البَعثِ، وغيرِ ذلك، فما معنى البابِ الذي ذكر العُلَماء في كلِّ مذهبٍ "باب حُكمِ المرتَدِّ"، وهو المُسْلِمُ الذي يَكفُرُ بعد إسلامِه، ثُمَّ ذكروا أنواعًا كثيرةً، كلُّ نوعٍ منها يكفِّر، ويُحلُّ دمَ الرَّجُلِ ومالَه، حتى إِنَّهم ذكروا أشياءَ يسيرةً عند من فعَلَها، مِثلُ كَلِمةٍ يَذكُرُها بلسانِه دون قَلْبِه، أو كَلِمةٍ يذكُرُها على وَجهِ المزْحِ واللَّعِب؟
ويقال أيضًا: الذين قال اللهُ فيهم: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، أَما سمعْتَ اللهَ كفَّرهم بكَلِمةٍ مع كَونِهم في زَمَنِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهم يجاهِدون معه ويصلُّون معه ويزكُّون ويحجُّون ويوحِّدُون؟ وكذلك الذين قال اللهُ فيهم: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُواقَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ هؤلاء الَّذين صرَّح اللهُ أَنَّهم كَفَروا بعد إيمانِهم، وهم مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غَزوةِ تَبُوكَ، قالوا كَلِمةً ذكروا أَنَّهم قالوها على وَجهِ المزْحِ.
فتأمَّل هذه الشُّبهةَ، وهي قَولُهم: تكفِّرون من المُسْلِمين أُناسًا يشهدون أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويصلُّون ويصومون، ثمَّ تأمَّلْ جَوابَها؛ فإِنَّه من أنفَعِ ما في هذه الأوراقِ) .
وقال أيضًا: (فإذا تحقَّقْتَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحابةِ الذين غَزَوا الرُّومَ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَفَروا بسَبَبِ كَلِمةٍ قالوها على وَجهِ المزحِ واللَّعِبِ، تبيَّن لك أَنَّ الَّذي يتكلَّمُ بالكُفْرِ، أو يعمَلُ به خوفًا من نَقصِ مالٍ، أو جاهٍ، أو مُداراةً لأحدٍ: أعظَمُ ممَّن تكلَّم بكَلِمةٍ يمزَحُ بها.
والآيةُ الثَّانيةُ: قَولُه تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ فلم يَعذِرِ اللهُ من هؤلاء إلَّا من أُكرِهَ مع كونِ قَلْبِه مُطمئنًّا بالإيمانِ، وأمَّا غيرُ هذا، فقد كَفَر بعد إيمانِه، سواءٌ فَعَلَه خَوفًا، أو مداراةً، أو مَشحَّةً بوَطَنِه أو أهلِه، أو عشيرتِه أو مالِه، أو فَعَله على وَجهِ المزحِ، أو لغيرِ ذلك من الأغراضِ، إلَّا المُكْرَهَ. والآيةُ تدلُّ على هذا من جهتَينِ:
الأولى: قَولُه: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ فلم يستَثْنِ اللهُ إلَّا المُكْرَهَ، ومعلومٌ أنَّ الإنسانَ لا يُكرَهُ إلَّا على العَمَلِ أو الكلامِ، وأمَّا عقيدةُ القَلْبِ فلا يُكرَهُ أحدٌ عليها.
والثَّانيةُ: قَولُه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ، فصرَّح أنَّ هذا الكُفْرَ والعذابَ لم يكُنْ بسَبَبِ الاعتِقادِ أو الجَهلِ، أو البُغضِ للدِّينِ، أو محبَّةِ الكُفْرِ، وإِنَّما سَبَبُه أَنَّ له في ذلك حظًّا من حُظوظِ الدُّنيا، فآثَرَه على الدِّينِ، واللهُ سُبحانَه وتعالى أعلَمُ. والحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، وصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه أجمعينَ. آمينَ) .
وفي تفسيرِ قَولِه تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ … الآيات. ذكَرَ محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ مَسائِلَ؛ منها: (الثَّانيةُ: استثناءُ المُكْرَهِ المطمئنِّ.
الثَّالثةُ: أَنَّ الرُّخصةَ لمن جمع بينَهما خلافُ المُكْرَه فقط.
الرابعةُ: أَنَّ الرِّدَّة المذكورةَ كلامٌ أو فعلٌ من غير اعتقادٍ ...
الثَّالثــة عشرة: من فعل ذلك فقد شرح بالكُفْرِ صدرًا ولو كرِه ذلك؛ لأَنَّه لم يستَثْنِ إلَّا من ذَكَر …
السادسة عشرة: ذِكرُ سَبَبِ تلك العقوبةِ، وهي استحبابُ الدُّنيا على الآخرةِ، لا مجرَّدُ الاعتقادِ أو الشَّكِّ) .
وقال في تفسيرِ قَولِه تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلقَدْ أُوحِيَ إِليْكَ وَإِلى الذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لئِنْ أَشْرَكْتَ ليَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ * وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ : (فيه مسائِلُ: الأولى: الجوابُ عن قَولِ المُشْرِكين: هذا في الأصنامِ، وأمَّا الصَّالحونَ فلا. قَولُه: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ عامٌّ فيما سوى الله.
الثَّانية: أَنَّ المُسْلِم إذا أطاع من أشار عليه في الظَّاهِرِ، كَفَر، ولو كان باطِنُه يَعتَقِد الإيمانَ، فإِنَّهم لم يريدوا من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تغييرَ عقيدتِه، ففيه بيانٌ لِما يكثُرُ وُقوعُه ممَّن ينتَسِبُ إلى الإسلامِ في إظهارِ الموافَقةِ للمُشْرِكين خوفًا منهم، ويظنُّ أَنَّه لا يَكفُرُ إذا كان قَلْبُه كارِهًا له) .
وقال في تفسيرِ الآيةِ السَّابقةِ: (أمَّا الآيةُ الثَّانيةُ ففيها مسائِلُ أيضًا:
... الثَّالِثةُ: أَنَّ الذي يكفُرُ به المُسْلِمُ ليس هو عقيدةَ القَلْبِ خاصَّةً؛ فإِنَّ هذا الَّذي ذكرهم اللهُ لم يريدوا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تغييرَ العقيدةِ كما تقدَّم، بل إذا أطاع المُسْلِمُ من أشار عليه بموافقتِهِم لأجْلِ مالِه أو بلدِه أو أهلِه، مع كَونِه يَعرِفُ كُفْرَهم ويبغِضُهم فهذا كافِرٌ إلَّا من أُكرِه)) .
4. محمَّد بن عليِّ بن غريب .ت:1209هـ
قال: (المرتدُّ لغةً الرَّاجِعُ، يقال: ارتَدَّ فهو مرتدٌّ: إذا رجع؛ قال تعالى: وَلَا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، وشرعًا الذي يكفُرُ بعد إسلامِه نطقًا أو اعتقادًا أو شكًّا أو فعلًا، وبعضُ هؤلاء الأئمَّةِ قال: ولو مميِّزًا فتصحُّ رِدَّتُه كإسلامِه، وهم الحنابلةُ ومن وافقَهم، طَوعًا لا مُكرَهًا بأنْ فعل لِداعي الإكراه لاعتِقادِه ما أُرِيدَ منه؛ لِقَولِه تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا الآية) .
وقال أيضًا: (كما يكونُ الكُفْرُ بالاعتقادِ يكونُ أيضًا بالقَوْلِ؛ كسَبِّ اللهِ أو رَسولِه أو دينِه أو الاستهزاءِ به؛ قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْـتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَـرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، وبالفِعْل أيضًا؛ كإلقاءِ المصحَفِ في القاذورات، والسُّجودِ لغيرِ اللهِ، ونحوِهما، وهذا وإن وُجِدَتْ فيهما العقيدةُ فالقَوْلُ والفِعْلُ مُغلَّبان عليها لظهورِهما) .
5. عبد الله بن حجازي الشَّرقاويُّ (الشَّافعيُّ). ت:1227هـ
قال الشَّرقاوي في حاشيته على التحرير لزكريا الأنصاري: («الرِّدةُ قَطعُ من يصحُّ طلاقُه الإسلامَ بكفرٍ نيَّةً أو قولًا أو فعلًا، استهزاءً كان كلُّ ذلك أو عنادًا أو اعتقادًا».
قوله: «بكفرٍ نيَّةً أو قولًا أو فعلًا» فمثالُ النِّيَّةِ أَنْ يعزِمَ على الكُفْرِ ولو في قابلٍ… والفِعْلُ: أنْ يسجدَ لمخلوقٍ؛ كصنمٍ وشمسٍ بلا ضرورةٍ، أو يُلقيَ مُصحفًا أو كُتُب علمٍ شرعيٍّ أو ما عليه اسمٌ معظمٌ، في قاذورةٍ،… قوله: «استهزاءً» أي: استخفافًا، قوله: «أو عنادًا» بأنْ عَرَف الحقَّ باطنًا، وامتنع أنْ يُقِرَّ به) .
6. سليمان بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب. ت:1233هـ
قال سليمان بن عبد الله: (اعلَمْ -رحمك اللهُ- أنَّ الإنسانَ إِذا أَظهر للمُشْرِكين الموافقةَ على دينهِم؛ خوفًا منهم ومداراةً لهم، ومداهنةً لدفع شرِّهم؛ فإِنَّه كافِرٌ مِثْلُهم، وإنْ كان يَكرَهُ دينَهم ويُبغِضُهم، ويحبُّ الإسلامَ والمُسْلِمين، … ولا يُستثنى من ذلك إلَّا المُكرَهُ، وهو الذي يستولي عليه المُشْرِكون، فيقولون له: اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا، وإلَّا فعَلْنا بك وقتَلْناك. أو يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافِقَهم؛ فيجوزُ له الموافقةُ باللِّسانِ، مع طُمأنينةِ القَلْبِ بالإيمانِ. وقد أجمع العُلَماءُ على أَنَّ من تكلَّم بالكُفْرِ هازِلًا أَنَّه يكفُرُ، فكيف بمن أظهر الكُفْرَ خوفًا وطمعًا في الدُّنيا؟! وكثيرٌ من أهلِ الباطلِ إِنَّما يتركون الحقَّ خوفًا من زوالِ دُنياهم، وإلَّا فيعرفون الحقَّ ويَعتَقِدونَه ولم يكونوا بذلك مُسْلِمين.
… قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّل عَليْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم. فذكَرَ تبارك وتعالى أَنَّه نزَّل على المُؤمِنين في الكتابِ: أَنَّهم إذا سَمِعوا آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بها، ويُسْتَهْزَأُ بها فلا يقعدوا معهم، حتى يخوضوا في حديثٍ غيرِه، وأَنَّ من جلس مع الكافِرين بآياتِ اللهِ، المستهزِئين بها في حالِ كُفْرِهم واستهزائِهم؛ فهو مِثْلُهم، ولم يفرِّقْ بين الخائِفِ وغيرِه، إلَّا المٌكْرَهَ.
هذا وهُم في بلدٍ واحدٍ في أوَّلِ الإسلامِ، فكيف بمن كان في سَعَةِ الإسلامِ وعِزِّه وبلادِه، فدعا الكافِرين بآياتِ اللهِ المُستهزئين بها إلى بلادِه، واتَّخذهم أولياءَ وأصحابًا وجُلَساءَ، وسَمِع كُفْرَهم واستهزاءَهم وأقرَّهم، وطرَدَ أهلَ التَّوحيدِ وأبعَدَهم؟!
… قَولُه تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل: 106-107] . فحكم تعالى حُكمًا لا يُبدَّلُ أنَّ من رجع عن دينِه إلى الكُفْر، فهو كافِرٌ، سواءٌ كان له عذرٌ: خوفٌ على نفسٍ أو مالٍ أو أهلٍ، أم لا، وسواءٌ كَفَر بباطِنِه وظاهِرِه، أمْ بظاهِرِه دون باطنِه، وسواءٌ كفر بفعالِه ومقالِه، أم بأحدِهما دون الآخَرِ. وسواءٌ كان طامعًا في دنيا ينالها من المُشْرِكين أمْ لا، … فهو كافِرٌ على كلِّ حالٍ، إلَّا المُكرَه. وهو في لغتنا: المغصوبُ … ثمَّ أخبَرَ تعالى أنَّ على هؤلاء المرتدِّين، الشَّارحين صدورَهم بالكُفْر، وإنْ كانوا يقطعون على الحقِّ، ويقولون: ما فعَلْنا هذا إلَّا خوفًا، فعليهم غَضَبٌ من الله، ولهم عذابٌ عظيمٌ، ثُمَّ أخبر تعالى أَنَّ سَبَبَ هذا الكُفْرِ والعذابِ ليس بسَبَبِ الاعتقادِ للشِّركِ أو الجَهلِ بالتَّوحيد، أو البُغضِ للدِّين أو محبَّةٍ للكُفْرِ، وإِنَّما سَبَبُه: أنَّ له في ذلك حظًّا من حظوظ الدُّنيا، فآثَرَه على الدِّينِ، وعلى رضا ربِّ العالَمين، فقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ فكفَّرهم تعالى، وأخبر أَنَّه لا يهديهم مع كَونِهم يعتَذِرونَ بمحبَّةِ الدُّنيا. ثُمَّ أخبَرَ تعالى أنَّ هؤلاء المرتدِّين لأجْلِ استحبابِ الدُّنيا على الآخِرةِ هم الذين طبع اللهُ على قلوبِهم وسَمْعِهم وأبصارِهم، وأنَّهم الغاِفلون. ثُمَّ أخبَرَ خَبرًا مؤكَّدًا محقَّقًا أَنَّهم في الآخِرةِ هم الخاسِرون.
وهكذا حالُ هؤلاء المرتدِّين في هذه الفِتنةِ، غرَّهُم الشَّيطانُ، وأَوهمَهم أَنَّ الخوفَ عُذرٌ لهم في الرِّدَّة، وأَنَّهم بمعرفةِ الحَقِّ ومحبَّتِه والشَّهادةِ به لا يَضُرُّهم ما فعلوه، ونَسُوا أَنَّ كثيرًا من المُشْرِكين يعرفون الحقَّ، ويحبُّونَه ويشهدون به، ولكنْ يترُكون متابعتَه والعَمَلَ به؛ محبَّةً للدُّنيا، وخوفًا على الأنفُسِ والأموالِ والمآكَلِ والرِّياساتِ. ثُمَّ قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّل اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ، فأخبر تعالى أنَّ سَبَبَ ما جرى عليهم من الرِّدَّةِ وتسويلِ الشَّيطانِ، والإملاءِ لهم، هو قَولُهم للَّذين كَرِهوا ما نزَّل الله: سنُطيعكم في بَعْضِ الأمرِ.
فإذا كان مَنْ وَعَد المُشْرِكين الكارهين لِما نزَّل اللهُ بطاعتِهم في بَعْضِ الأمرِ- كافِرًا، وإنْ لم يفعَلْ ما وعدَهُم به، فكيف بمن وافق المُشْرِكين الكارهين لما نزَّل اللهُ من الأمرِ بعبادتِه وحدَه لا شريك له؟!… وقد قال تعالى في مَوضِعٍ آخَرَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلى الْإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة: 23] . ففي هاتينِ الآيتينِ البيانُ الواضِحُ: أَنَّه لا عُذرَ لأحَدٍ في الموافَقةِ على الكُفْرِ؛ خوفًا على الأموالِ والآباءِ، والأبناءِ والأزواجِ والعَشـائِرِ، ونحـوِ ذلك ممَّا يعتذَرُ به كثيـرٌ مِن النَّاسِ.
إذا كان لم يرخِّصْ لأحَدٍ في مُوادَّتِهم، واتخاذِهم أولياءَ بأنفُسِهم؛ خوفًا منهم وإيثارًا لمرضاتِهم. فكيف بمن اتَّخذ الكُفَّارَ الأباعِدَ أولياءَ وأصحابًا، وأظهَرَ لهم الموافَقةَ على دينِهم؛ خوفًا على بَعْضِ هذه الأمورِ ومحبَّةً لها؟! ومن العَجَبِ استحسانُهم لذلك، واستحلالُهم له، فجَمَعوا مع الرِّدَّةِ استِحلالَ المحرَّمِ) .
وقال أيضًا: (من استهزأ باللهِ، أو بكتابِه أو برَسولِه، أو بدينِه؛ كَفرَ، ولو هازِلًا لم يقصِد حقيقةَ الاستهزاءِ؛ إجماعًا. قال: وقَولُ اللهِ تعالى: وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ.
الشَّرح: يقولُ تعالى مخاطبًا لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي: سألْتَ المنافقين الَّذين تكلَّموا بكَلِمة الكُفْرِ استهزاءً ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ أي: يعتذِرونَ بأَنَّهم لم يقصِدوا الاستهزاءَ والتَّكذيبَ، إِنَّما قصدوا الخوضَ في الحديثِ واللَّعِبِ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لم يعبَأْ باعتذارِهم إِمَّا لأَنَّهم كانوا كاذبين فيه، وإِمَّا لأَنَّ الاستهزاءَ على وَجْهِ الخَوضِ واللَّعِبِ لا يكونُ صاحِبُه معذورًا، وعلى التَّقديرينِ فهذا عذرٌ باطِلٌ، فإِنَّهم أخطَؤوا موقعَ الاستهزاءِ، وهل يجتَمِعُ الإيمانُ باللهِ، وكتابِه، ورَسولِه، والاستهزاءُ بذلك في قَلب؟ٍ! بل ذلك عينُ الكُفْرِ؛ فلذلك كان الجوابُ مع ما قَبْلَه: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، قال شيخُ الإسلامِ: فقد أمَرَه أنْ يقولَ: كفَرْتُم بعد إيمانِكم. وقَولُ من يقولُ: إنَّهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانِهم مع كُفْرهم أوَّلًا بقُلوبِهم، لا يصحُّ؛ لأنَّ الإيمانَ باللِّسانِ مع كُفرِ القَلْبِ قد قارنه الكُفْرُ، فلا يقالُ: قد كفَرْتُم بعد إيمانِكم؛ فإِنَّهم لم يزالوا كافِرين في نفسِ الأمرِ، وإنْ أُرِيد: إِنَّكم أظهرتُمُ الكُفْرَ بعد إظهارِكم الإيمانَ، فهم لم يُظهِروا ذلك إلَّا لخوضِهم، وهم مع خوضِهم ما زالوا هكذا، بل لَمَّا نافقوا وحَذِروا أنْ تنـزِل عليهم سورَةٌ تبيِّنُ ما في قلوبِهم من النِّفاقِ، وتكلَّموا بالاستهزاءِ، أي: صاروا كافِرين بعد إيمانِهم، ولا يدلُّ اللَّفظُ على أَنَّهم ما زالوا منافِقين، إلى أَنْ قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فاعْتَرَفوا؛ ولهذا قيل: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً، فدلَّ على أَنَّهم لم يكونوا عند أنفُسِهم قد أَتَوا كُفْرًا، بل ظنُّوا أَنَّ ذلك ليس بكُفرٍ، فتبيَّن أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله ورسولِه كفرٌ يَكفرُ به صاحبُه بعدَ إيمانِه، فدلَّ على أَنَّه كان عندَهم إيمانٌ ضعيفٌ، ففعَلوا هذا المحرَّمَ الَّذي عرفوا أنَّه محرَّمٌ، ولكنْ لم يظنُّوه كُفرًا، وكان كُفرًا كَفَروا به، فإِنَّهم لم يَعتَقِدوا جوازَه) .
7. مصطفى بن سعد بن عبدَة الرُّحيبانيُّ (الحنبليُّ). ت:1243هـ
قال الرحيباني: (باب حُكم المرتدِّ «وهو» لغةً: الرَّاجِعُ، يقال: ارتدَّ فهو مرتدٌّ: إذا رجعَ؛ قال تعالى: وَلَا تَرْتَدُّوْا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، وشرعًا: «مَنْ كفرَ» نُطقًا أو اعتقادًا أو شكًّا «ولو» كان «مميِّزًا» فتصحُّ رِدَّتُه كإسلامِه، ويأتي «طوعًا»، ولو كان هازِلًا بعد إسلامِه) .
8. عبدُ الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب. ت:1244هـ
قال عبدُ اللهِ بنُ محمَّدِ بنِ عبدِ الوهَّابِ في رسالتِه (الكلمات النَّافعة في المكفِّرات الواقعة): (أمَّا بعدُ، فهذه فصولٌ وكَلِماتٌ نقَلْتُها من كلامِ العُلَماء المجتهدين من أصحاب الأئمَّة الأربعة الَّذين هم أئمَّةُ أهل ِالسُّنَّةِ والدِّين، في بيانِ بَعْضِ الأفعالِ والأقوالِ المكفِّرة للمُسْلِم المخرِجةِ له من الدِّينِ، وأَنَّ تلفُّظَه بالشَّهادتين وانتسابَه إلى الإسلامِ، وعَمَلَه ببعضِ شرائعِ الدِّين لا يَمْنَع من تكفيرِه وقَتْلِه وإلحاقِه بالمرتدِّين. والسَّبَبُ الحامِلُ على ذلك أَنَّ بَعْضَ من ينتسِب إلى العِلمِ والفِقهِ من أهلِ هذا الزَّمانِ غلِطَ في ذلك غلَطًا فاحشًا قبيحًا، وأنكر على من أفتى به من أهلِ العِلمِ والدِّينِ إنكارًا شنيعًا، ولم يكُنْ لهم بإنكارِ ذلك مستنَدٌ صحيحٌ لا من كلامِ اللهِ، ولا من كلامِ رَسولِه، ولا من كلامِ أئمَّةِ العِلمِ والدِّينِ،…) ثُمَّ نقل كلامًا كثيرًا لبعض الأئمَّةِ إلى أنْ قال: (وقال الشَّيخُ رحمه الله تعالى في كتابِ «الصَّارم المسلول على شاتم الرَّسول»: قال الإمامُ إسحاقُ بنُ راهَوَيه أحَدُ الأئمَّةِ يُعدَلُ بالشَّافعي وأحمد: أجمع المُسْلِمون أنَّ من سبَّ اللهَ أو رسولَه أو دفع شيئًا ممَّا أنزَل اللهُ؛ أنَّه كافِرٌ بذلك، وإنْ كان مُقِرًّا بكلِّ ما أنزل الله. وقال محمَّد بن سحنون أحدُ الأئمَّةِ من أصحابِ مالكٍ: أجمع العُلَماءُ على أَنَّ شاتمَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كافِرٌ، وحُكمُه عند الأئمَّة القتلُ، ومن شكَّ في كُفرِه كَفَر، …. انتهى. فتأمَّلْ -رحمك اللهُ- تعالى كلامَ إسحاقَ بن ِراهَوَيه ونَقْلَه الإجماعَ على أنَّ من سبَّ اللهَ أو سبَّ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو دفع شيئًا ممَّا أنزل الله: فهو كافِرٌ -وإنْ كان مُقِرًّا بكلِّ ما أنزل الله- يتبيَّنْ لك أنَّ من تلفَّظ بلسانه بسبِّ الله تعالى أو بسبِّ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو كافِرٌ مرتدٌّ عن الإسلامِ، وإنْ أقرَّ بجميعِ ما أنزل اللهُ، وإنْ كان هازلًا بذلك لم يقصِدْ معناه بقَلْبِه، كما قال الشَّافعيُّ رَضِيَ اللهُ عنه: من هَزَل بشيءٍ من آياتِ اللهِ فهو كافِرٌ، فكيف بمن هزل بسبِّ اللهِ تعالى أو بسبِّ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ولهذا قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: قال أصحابُنا وغيرُهم: من سبَّ اللهَ، كفر -مازحًا أو جادًّا-؛ لِقَولِه تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ الآية، قال: وهذا هو الصَّواب المقطوعُ به) .
9. محمَّد بن عليٍّ الشَّوكانيُّ. ت:1250هـ
قال الشوكاني: (وكثيرًا ما يأتي هؤلاء الرَّعايا بألفاظٍ كُفريَّةٍ، فيقولُ: هو يهوديٌّ ليفعلَنَّ كذا، وليفعلَنَّ كذا، ومرتدٌّ تارةً بالقَوْلِ، وتارةً بالفِعْل، وهو لا يشعُرُ) .
10. محمَّد أمين ابن عابدين (الحنفيُّ). ت:1252هـ
قال ابنُ عابدين تعليقًا على قول الحصفكي في (الدرِّ المختار) في باب المرتدِّ بعد أنْ عرَّفه لغةً وشرعًا: (وفي «الفتح»: من هَزَل بلفظِ كفرٍ ارتَدَّ وإن لم يَعتَقِدْه؛ للاستخفافِ، فهو ككُفرِ العنادِ): (قَولُه: «من هزَلَ بلفظِ كفرٍ» أي: تكلَّم به باختيارِه غيرَ قاصدٍ معناه … وكما لو سجَد لصنمٍ أو وضَعَ مصحفًا في قاذورةٍ؛ فإنَّه يكفُرُ وإنْ كان مصدِّقًا) .
11. شهاب الدِّين محمود بن عبد الله الآلوسي. ت:1270هـ
قال الآلوسي في تفسيرِ قَولِه تعالى: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ: (واستدلَّ بعضُهم بالآيةِ على أنَّ الجِدَّ واللَّعِبَ في إظهارِ كَلِمةِ الكُفْر سواءٌ، ولا خِلافَ بين الأئمَّةِ في ذلك) .
12. إبراهيم بن محمَّد بن أحمد البيجوريُّ (الشَّافعيُّ). ت:1277هـ
قال البيجوري في تعريف الرِّدَّة: (وشرعًا: قَطْعُ الإسلامِ بنيةِ كُفرٍ، أو قولِ كفرٍ، أو فعلِ كُفرٍ؛ كسُجودٍ لصنمٍ، سواءٌ كان على جهةِ الاستهزاءِ، أو العنادِ أو الاعتقادِ). قَولُه: (سواءٌ كان إلخ…) تعميمٌ في قَطعِ الإسلامِ بنيَّةِ الكُفْرِ أو قَولِه أو فِعْلِه، لكِنْ لا يظهَرُ الاستهزاءُ في النِّيَّةِ، وإِنَّما يظهَرُ في القَوْل والفِعْل. وقولُه: (جِهةِ الاستهزاءِ) أي: جِهةٍ هي الاستهزاءُ. قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ. وقَولُه: (أو العنادِ) أي: كأن يقولَ: اللهُ ثالثُ ثلاثةٍ، عنادًا لِمن يخاصِمُه، مع اعتقادِه أنَّ اللهَ واحدٌ؛ فيَكفُرُ بذلك) .
13. عبد الله بن عبد الرَّحمن أبابطين. ت:1282هـ
قال أبا بطين: (ما سألْتَ عنه من أنَّه هل يجوزُ تعيينُ إنسانٍ بعينه بالكُفْرِ، إذا ارتكب شيئًا من المكفِّراتِ، فالأمرُ الذي دلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ وإجماعُ العُلَماء على أنَّه كُفرٌ، مِثلُ الشِّرْكِ بعبادةِ غيرِ اللهِ سُبحانَه، فمن ارتكب شيئًا من هذا النَّوعِ أو جِنْسِه؛ فهـذا لا شكَّ في كُفْرِه.
ولا بأسَ بمن تحقَّقْتَ منه شيئًا من ذلك، أنْ تقول: كَفَر فلانٌ بهذا الفِعْلِ، يُبَيِّن هذا: أنَّ الفُقَهاءَ يذكُرون في بابِ حُكمِ المرتدِّ أشياءَ كثيرةً، يصيرُ بها المُسْلِم كافِرًا، ويفتَتِحون هذا البابَ بقَولِهم: من أشرَكَ باللهِ كَفَر، وحُكمُه أَنَّه يُستتابُ، فإِنْ تاب وإلَّا قُتل، والاستتابةُ إنَّما تكونُ مع معيَّنٍ.
ولَمَّا قال بَعْضُ أهلِ البِدَعِ عند الشَّافعيِّ: إنَّ القرآنَ مخلوقٌ، قال: كفرْتَ باللهِ العظيمِ، وكلامُ العُلَماءِ في تكفير ِالمعيَّنِ كثيرٌ، وأعظَمُ أنواعِ الكُفْرِ: الشِّرْكُ بعبادةِ غيرِ اللهِ، وهو كُفرٌ بإجماع المُسْلِمين، ولا مانعَ من تكفير من اتَّصف بذلك، كما أنَّ من زنى قيل: فلان زانٍ، ومن رابى قيل: فلانٌ مرُابٍ) .
وسئل أيضًا: عن قَولِ الصَّنعانيِّ: إِنَّه لا ينفَعُ قَولُ من فعلَ الشِّرْكَ: أنا لا أشرِكُ باللهِ... إلخ؟
فأجاب: (يعني: أَنَّه إذا فَعَل الشِّركَ فهو مُشْرِكٌ، وإنْ سمَّاه بغيرِ اسمِه، ونفاه عن نفسِه.
وقَولُه: وقد صرَّح الفُقَهاءُ في كُتُبِهم بأَنَّ من تكلَّم بكَلِمة الكُفْرِ يكفرُ، وإنْ لم يقصدْ معناها، فمرادُهم بذلك: أنَّ من يتكلَّم بكلام كفرٍ، مازحًا أو هازلًا، وهو عبارةُ كثيرٍ منهم، في قَولِهم: من أتى بقولٍ، أو فعلٍ صريح في الاستهزاء بالدِّين، وإِنْ كان مازحًا؛ لقَولِه تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) .
وقال: (ويقالُ لِمن قال: إنَّ من أتى بالشَّهادتينِ لا يُتَصوَّرُ كفرُه، ما معنى البابِ الَّذي يذكره الفقهاءُ في كتب الفقهِ، وهو «باب حكم المرتدِّ»، والمرتدُّ هو الذي يكفُرُ بعدَ إسلامِه بكلامٍ أو اعتقادٍ أو فعلٍ أو شكٍّ، وهو قبل ذلك يتلفَّظُ بالشَّهادتينِ، ويصَلِّي ويصومُ، فإذا أتى بشيءٍ ممَّا ذكروه، صار مرتدًّا مع كونِه يتكلَّمُ بالشَّهادتينِ ويصلِّي ويصومُ، ولا يمنَعُه تكلُّمه بالشَّهادتين وصلاتُه وصومُه عن الحُكمِ عليه بالرِّدَّة؟ وهذا ظاهرٌ بالأدلَّة من الكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ.
وأوَّل ما يَذكُرون في هذا البابِ الشِّركُ بالله، فمن أشركَ باللهِ فهو مرتدٌّ، والشِّرْكُ عبادةُ غيرِ اللهِ، فمن جعل شيئًا من العبادةِ لغيرِ اللهِ، فهو مُشركٌ، وإنْ كان يصومُ النهارَ، ويقومُ اللَّيـلَ، فعَمَلُه حابطٌ) .
14. عبد الرَّحمن بن حسن بن محمَّد بن عبد الوهَّاب. ت:1285هـ
قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن: (وأمَّا مذهَبُ الخوارجِ فإِنَّهم يكَفِّرون أهلَ الإيمانِ بارتكابِ الذُّنوبِ؛ ما كان منها دون الكُفْرِ والشِّركِ، وأَنَّهم قد خَرَجوا في خلافةِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وكفَّروا الصَّحابةَ بما جرى بينهم من القِتالِ، واستدلُّوا على ذلك بآياتٍ وأحاديثَ، لكنَّهم أخطَؤوا في الاستدلالِ؛ فإنَّ ما دون الشِّركِ والكُفْرِ من المعاصي لا يُكفَّرُ فاعلُه، لكنَّه يُنهى عنه، وإذا أصرَّ على كَبيرةٍ ولم يتُبْ منها يجِبُ نهيُه والقيامُ عليه، وكلُّ مُنكَرٍ يجِبُ إنكارُه مِن تَرْكِ واجبٍ أو ارتكابِ محرَّمٍ، لكن لا يُكَفَّرُ إلَّا من فَعَل مُكفِّرًا دلَّ الكتابُ والسُّنَّةُ على أنَّه كُفرٌ، وكذا ما اتَّفق العُلَماءُ على أنَّ فِعْلَه أو اعتِقادَه كُفرٌ) .
15. محمَّد بن أحمد المعروف بالشيخ عليش (المالكيُّ). ت: 1299هـ
قال عليش: («باب» في بيانِ حقيقةِ الرِّدَّةِ وأحكامِها «الرِّدَّة» أي: حقيقتُها شرعًا، «كُفْر» جِنسٌ شَمِل الرِّدَّةَ وسائِرَ أنواعِ الكُفْر. الشَّخصِ «المُسْلِمِ»، أي: الَّذي ثبت إسلامُه ببنوَّتِه لمُسْلِمٍ، وإنْ لم ينطِقْ بالشَّهادتينِ، أو بنُطقِه بهما عالِمًا بأركانِ الإسلامِ مُلتزمًا لها، والإضافةُ فَصلٌ مُخْرِجٌ سائِرَ أنواعِ الكُفْرِ… وسواءٌ كَفَر «بـ» قَولٍ «صريحٍ» في الكُفْرِ، كقَولِه: كَفَر باللهِ أو برَسولِ اللهِ، أو بالقُرآنِ، أو الإلهُ اثنانِ أو ثلاثةٌ، أو المسيحُ ابنُ اللهِ، أو العُزَيرُ ابنُ اللهِ، «أو» بـ «لفظٍ يقتضيه» أي: يستلزِمُ اللَّفظُ الكُفْرَ استلزامًا بيِّنًا؛ كجَحْدِ مشروعيَّةِ شَيءٍ مجمَعٍ عليه، معلومٍ من الدِّين ضرورةً؛ فإِنَّه يستلزِمُ تكذيبَ القُرآنِ أو الرَّسولِ، وكاعتقادِ جِسْميَّةِ اللهِ وتحيُّزِه؛ فإِنَّه يستلزِمُ حُدوثَه واحتياجَه لِمُحْدِثٍ، ونَفْيِ صفاتِ الأُلوهيَّةِ عنه جلَّ جلالُه، وعَظُم شأنُه. «أو» بـ «فعلٍ يتضمَّنُه» أي: يستلزِمُ الفِعْلُ الكُفْرَ استلزامًا بيِّنًا؛ «كإلقاءِ» أي: رَمْيِ «مصُحَفٍ» أي: الكتابِ المشتَمِلِ على النُّقوشِ الدَّالَّةِ على كلامِ اللهِ تعالى «بـ» شيءٍ «قَذِرٍ» أي: مُستقذَرٍ مُستعافٍ، ولو طاهرًا كبُصاقٍ، ومِثلُ إلقائِه تلطيخُه به أو تَرْكُه به مع القُدرةِ على إزالتهِ؛ لأنَّ الدَّوامَ كالابتداءِ، وكالمصحَفِ جُزؤُه، والحديثُ القدسيُّ والنبويُّ ولو لم يتواتَرْ، وأسماءُ اللهِ تعالى، وأسماءُ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ) .
14 - مَذهَبِ أحمدَ،... وفيها: أنَّ الكبيرةَ العظيمةَ ممَّا دون الشِّركِ قد تكفَّرُ بالحَسَنةِ الكبيرةِ الماحية.{قلت المدون كل المعاصي والذنوب في لحظات فعلها هي طاعة لغير الله من شيطان او نفس او هوي او طاعة الصحبة والقرابة فيما نهي الله عنه فهي بذلك شرك لا محالة يستوجب التوبة حتي تصير الي ما دون ذلك.. فمن مات غير تائبٍ منها مات مصرا عليها ومن مات مصرا عليها فقد أحاطت به خطيئته ومن أحاطت به خطيئته {{ فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}
15 - الكُفْرِ
والبُعدِ عنه، فيه يشقى العَبْدُ في الدُّنْيا والآخرةِ، وهو أعظَمُ الذُّنوبِ
والآثام،ِ وأشدُّها.
16 - ؛
لإحداثِه عبادةً لا دليلَ عليها، وهو من الشِّرْكِ الأصغَرِ؛ لأنَّه جَعَل ما ليس
بسَبَبٍ سَببًا، كما أنَّه.
17 - شيءٌ عن مشيئتِه وخَلْقِه: لا يعني جوازَ الاحتجاجِ
بذلك على الوقوعِ في الكُفرِ أو الشِّركِ أو المعاصي.
18 - ،
ورفَضَ شريعةَ اللهِ؛ فهذا العَمَلُ شِرْكٌ بالله تعالى، وصاحِبُه مُشْرِكٌ ضالٌّ
ضلالًا بعيدًا. قال اللهُ.
19 - ،
وعَدَمِ إصرارِهم على الذنوبِ؛ فهذه هي المرتبةُ الثانيةُ التي وعد اللهُ أهْلَها
بدُخولِ الجنَّةِ.
تعريف و معنى الشرك في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي الشرك أكبر الكبائر: (مصطلحات)
أي أعظم الأعمال ذنبا. (فقهية)
الرياء بأن يراعي الإنسان غير الله في تصرفاته. (فقهية)
الشرك في الإلوهية أو الشرك في الربوبية. (فقهية)
الشرك في الألوهية أو الربوبية. (فقهية)
الشرك الخفي:هو نوع خطير من الوان الشرك بالله لأن صاحبه عباذا بالله يتخذ هواه ندا لله مع الله في الطاعة=
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَجُلًا قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما شاء اللهُ وشِئتَ، قال: ((جعَلْتَ للهِ نِدًّا؟! بل ما شاء اللهُ وَحْدَه )) .
قال ابنُ عثيمين: (قَولُه: ((بل ما شاء اللهُ وَحْدَه)) أرشدَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى ما يَقطَعُ عنه الشِّركَ، ولم يُرشِدْه إلى أن يقولَ: ما شاء اللهُ ثمَّ شِئتَ؛ حتى يقطَعَ عنه كُلَّ ذريعةٍ عن الشِّرْكِ وإن بَعُدَت. يستفادُ من الحديثِ... أنَّ تعظيمَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلَفظٍ يقتضي مساواتَه للخالِقِ شِرْكٌ، فإن كان يعتَقِدُ المساواةَ فهو شِركٌ أكبَرُ، وإن كان يعتَقِدُ أنَّه دونَ ذلك فهو أصغَرُ، وإذا كان هذا شِرْكًا فكيف بمن يجعَلَ حَقَّ الخالِقِ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! هذا أعظَمُ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليس له شَيءٌ من خصائِصِ الرُّبوبيَّةِ) .
وعن حُذَيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تقولوا: ما شاء اللهُ وشاء فلانٌ، ولكِنْ قولوا: ما شاء اللهُ ثمَّ شاء فلانٌ))
قال ابنُ بطَّالٍ: (إنَّما لم يجُزْ أن نقولَ: ما شاء اللهُ وشِئتَ؛ لأنَّ الواوَ تُشرِكُ المشيئتينِ جميعًا، وقد رُويَ هذا المعنى عن النَّبىِّ عليه السَّلامُ أنَّه قال: ((لا يقولَنَّ أحَدُكم: ما شاء اللهُ وشاء فلانٌ، ولكِنْ لِيَقُلْ: ما شاء اللهُ، ثمَّ شاء فلانٌ))، وإنما أجاز دخولُ ((ثمَّ)) مكانَ الواو؛ لأنَّ مشيئةَ اللهِ متقَدِّمةٌ على مشيئةِ خَلْقِه؛ قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، فهذا من الأدَبِ. وذكر عبدُ الرَّزاقِ عن إبراهيمَ النَّخَعيِّ أنَّه كان لا يرى بأسًا أن يقولَ: ما شاء اللهُ ثمَّ شِئتَ. وكان يَكرَهُ أن يقولَ: أعوذُ باللهِ وبك، حتى يقولَ: ثمَّ بك) .
وعن قُتَيلةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ يَهوديًّا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: إنَّكم تُنَدِّدونَ وإنَّكم تُشرِكون، تقولونَ: ما شاء اللهُ وشِئْتَ، وتقولونَ: والكَعبةِ! فأمَرَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أرادوا أن يَحلِفوا أن يقولوا: ((ورَبِّ الكَعبةِ))، ويقولَ أحَدُهم: ((ما شاء اللهُ ثمَّ شِئتَ)) .
وعن طُفَيلِ بنِ سَخْبرةَ أخي عائِشةَ لأُمِّها: أنَّه رأى فيما يرى النَّائِمُ كأنَّه مَرَّ برَهطٍ من اليَهودِ، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن اليهودُ. قال: إنَّكم أنتم القومُ لولا أنَّكم تزعمونَ أنَّ عُزَيرًا ابنُ اللهِ! فقالت اليهودُ: وأنتم القومُ لولا أنَّكم تقولون: ما شاء اللهُ وشاء محمدٌ! ثمَّ مَرَّ برَهطٍ مِن النصارى، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن النَّصارى، فقال: إنَّكم أنتم القومُ لولا أنَّكم تقولون: المسيحُ ابنُ اللهِ! قالوا: وأنتم القومُ لولا أنَّكم تقولون: ما شاء اللهُ، وما شاء محمَّدٌ! فلمَّا أصبح أخبَرَ بها من أخبر، ثم أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبره، فقال: ((هل أخبَرْتَ بها أحدًا؟)) قال: نعم، فلمَّا صَلَّوا، خطَبَهم فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، ثمَّ قال: ((إنَّ طُفَيلًا رأى رؤيا فأخبَرَ بها من أخبَرَ منكم، وإنَّكم كنتم تقولون كَلِمةً كان يمنعُني الحياءُ منكم أن أنهاكم عنها، لا تقولوا: ما شاء اللهُ، وما شاء محمَّدٌ)) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال في قَولِ اللهِ عَزَّ وجلَ: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22] : (الأندادُ هو الشِّركُ، أخفى من دبيبِ النَّملِ على صَفاةٍ سَوداءَ في ظُلمةِ اللَّيلِ. وهو أن يقولَ: واللهِ، وحياتِكِ يا فلانةُ، وحياتي. ويقولَ: لولا كلبةُ هذا لأتانا اللُّصوصُ، ولولا البَطُّ في الدَّارِ لأتى اللُّصوصُ. وقَولُ الرَّجُلِ لصاحِبِه: ما شاء اللهُ وشِئتَ، وقَولُ الرَّجُلِ: لولا اللهُ وفلانٌ. لا تجعَلْ فيها فلانًا؛ فإنَّ هذا كُلَّه به شِرْكٌ) .
قال المقريزي: (من الإشراكِ قَولُ القائِلِ لأحَدٍ مِنَ النَّاسِ: ما شاء اللهُ وشِئتَ، كما ثبت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال له رجُلٌ: ما شاء اللهُ وشِئتَ، فقال: أجعَلْتَني لله نِدًّا؟ قل: ما شاء اللهُ وَحْدَه) ، هذا مع أنَّ اللهَ تعالى أثبت للعبدِ مشيئةً، كقَولِه تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، فكيف بمن يقولُ: أنا متوكِّلٌ على اللهِ وعليك، وأنا في حَسْبِ اللهِ وحَسْبِك، وما لي إلا اللهُ وأنت، وهذا من اللهِ ومنك، وهذا من بركاتِ اللهِ وبركاتِك، واللهُ لي في السَّماءِ وأنت لي في الأرضِ؟!) .
وقال إسماعيل الدهلوي: (عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تقولوا: ما شاء اللهُ، وشاء محمَّدٌ، وقولوا: ما شاء اللهُ ثمَّ شاء محمد)) فقد جاء فيه تحريمُ إشراكِ مخلوقٍ في فعلٍ يختَصُّ بالله تعالى، ووَصْفِه بصفةٍ لا تليقُ إلَّا باللهِ تعالى، مهما بلغ هذا المخلوقُ من جلالةِ الشَّأنِ، وقُربِ المكانِ؛ لأنَّ اللهَ وَحْدَه هو يملِكُ هذا العالَمَ، ويتصَرَّفُ فيه بما شاء) .
وقال محمود شكري الألوسي: (وقد اشتَهَر عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه... نهى عن قَولِ الرَّجُلِ: ما شاء اللهُ وشِئتَ. وقال لِمن قال ذلك: ((أجعَلْتَني لله نِدًّا؟)) ... حَسْمًا لمادَّةِ الشِّركِ، وقطعًا لوسائِلِه، وسدًّا لذرائِعِه، وحمايةً للتوحيدِ، وصيانةً لجنابِه) .
وقال حافِظٌ الحَكَميُّ: (إذا عَطَف بالواوِ كان مُضاهيًا مشيئةَ اللهِ بمشيئةِ العَبدِ؛ إذ قَرَن بينهما، وإذا عَطَف بثُمَّ فقد جعل مشيئةَ العبدِ تابعةً لمشيئةِ الله عَزَّ وجلَّ، كما قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30] ، ومِثلُه قَولُ: لولا اللهُ وفلانٌ، هذا من الشِّرْكِ الأصغَرِ، ويجوزُ أن يقولَ: لولا اللهُ ثمَّ فلانٌ. ذكَرَه إبراهيمُ النَّخَعيُّ) .
الاعتقاد بتعدد الآلهة. (فقهية)
الآيات التي ورد فيها "الشرك"
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿١٣ لقمان﴾
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ ﴿٢٢ سبإ﴾
إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴿١٤ فاطر﴾
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِّنْهُ ۚ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ﴿٤٠ فاطر﴾
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٤ الأحقاف﴾
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴿٩٦ البقرة﴾
مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿١٠٥ البقرة﴾
وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٣٥ البقرة﴾
... مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ ... مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ... ﴿٢٢١ البقرة﴾
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٦٤ آل عمران﴾
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٦٧ آل عمران﴾
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٩٥ آل عمران﴾
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴿١٥١ آل عمران﴾
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿١٨٦ آل عمران﴾
... كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ ... ﴿١٢ النساء﴾
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴿٣٦ النساء﴾
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨ النساء﴾
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿١١٦ النساء﴾
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴿٧٢ المائدة﴾
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٨٢ المائدة﴾
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٤ الأنعام﴾
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿١٩ الأنعام﴾
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿٢٢ الأنعام﴾
ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴿٢٣ الأنعام﴾
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴿٤١ الأنعام﴾
*انقر على اي من كلمات الآية الكريمة لعرض التحليل اللغوي و معاني الكلمة بالإضافة للتفسير
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿64 الأنعام﴾
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿78 الأنعام﴾
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿79 الأنعام﴾
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿80 الأنعام﴾
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿81 الأنعام﴾
ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿88 الأنعام﴾
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿94 الأنعام﴾
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿100 الأنعام﴾
اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴿106 الأنعام﴾
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴿107 الأنعام﴾
وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴿121 الأنعام﴾
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴿136 الأنعام﴾
وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴿137 الأنعام﴾
وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴿139 الأنعام﴾
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴿148 الأنعام﴾
... مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا ... ﴿151 الأنعام﴾
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿161 الأنعام﴾
لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴿163 الأنعام﴾
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿33 الأعراف﴾
أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴿173 الأعراف﴾
فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿190 الأعراف﴾
أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴿191 الأعراف﴾
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ ﴿195 الأعراف﴾
بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿1 التوبة﴾
وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿3 التوبة﴾
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴿4 التوبة﴾
فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿5 التوبة﴾
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ ﴿6 التوبة﴾
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴿7 التوبة﴾
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴿17 التوبة﴾
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿28 التوبة﴾
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَـٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿31 التوبة﴾
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴿33 التوبة﴾
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿36 التوبة﴾
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴿113 التوبة﴾
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿18 يونس﴾
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿28 يونس﴾
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴿34 يونس﴾
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿35 يونس﴾
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ۗ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴿66 يونس﴾
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴿71 يونس﴾
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿105 يونس﴾
إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۗ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿54 هود﴾
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴿38 يوسف﴾
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴿106 يوسف﴾
قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿108 يوسف﴾
... الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ... ﴿16 الرعد﴾
أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۗ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ۚ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ ۗ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿33 الرعد﴾
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ۚ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴿36 الرعد﴾
... أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ ... ﴿22 ابراهيم﴾
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴿94 الحجر﴾
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿1 النحل﴾
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿3 النحل﴾
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿27 النحل﴾
وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿35 النحل﴾
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿54 النحل﴾
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿86 النحل﴾
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴿100 النحل﴾
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿120 النحل﴾
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿123 النحل﴾
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴿64 الإسراء﴾
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴿111 الإسراء﴾
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴿26 الكهف﴾
لَّـٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ﴿38 الكهف﴾
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴿42 الكهف﴾
وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا ﴿52 الكهف﴾
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿110 الكهف﴾
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴿32 طه﴾
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿17 الحج﴾
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴿26 الحج﴾
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴿31 الحج﴾
وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ﴿59 المؤمنون﴾
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿92 المؤمنون﴾
الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴿3 النور﴾
... بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ... ﴿55 النور﴾
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴿2 الفرقان﴾
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ۗ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿59 النمل﴾
أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿63 النمل﴾
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿62 القصص﴾
وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ۚ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴿64 القصص﴾
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿68 القصص﴾
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿74 القصص﴾
وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ۖ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿87 القصص﴾
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿8 العنكبوت﴾
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴿65 العنكبوت﴾
وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ﴿13 الروم﴾
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿28 الروم﴾
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿31 الروم﴾
وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿33 الروم﴾
أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴿35 الروم﴾
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿40 الروم﴾
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ ۚ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ﴿42 الروم﴾
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿15 لقمان﴾
لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿73 الأحزاب﴾
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاءَ ۖ كَلَّا ۚ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿27 سبإ﴾
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴿33 الصافات﴾
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿29 الزمر﴾
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿65 الزمر﴾
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿67 الزمر﴾
ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ﴿12 غافر﴾
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ﴿42 غافر﴾
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿73 غافر﴾
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ﴿84 غافر﴾
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ﴿6 فصلت﴾
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ ﴿47 فصلت﴾
شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴿13 الشورى﴾
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿21 الشورى﴾
وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴿39 الزخرف﴾
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿6 الفتح﴾
أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿43 الطور﴾
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿23 الحشر﴾
... الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا ... ﴿12 الممتحنة﴾
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴿9 الصف﴾
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ﴿41 القلم﴾
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴿2 الجن﴾
قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ﴿20 الجن﴾
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴿1 البينة﴾
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴿6 البينة﴾
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق